خيال الكاتبة الشّابة أمنية غسان أبو سويرح خصب بمقدار يمكنها من إيقاف الزمن للحظات أمام لقطات عميقة من المعاناة والألم التي يعيشها الناس في غزة المحاصرة والمرشحة دوماً للحرب.
رغم أن موهبة أمنية كامنة منذ فترة طويلة وحبيسة صفحتها على موقع (فيسبوك) ولم يتسلل الضوء إليها إلا أن غزة كشفت النقاب عن تجربة إبداع نالت جائزة دولية عن القصة القصيرة.
وفازت الكاتبة الشابة أمنية غسان أبو سويرح (21 عاما) بجائزة القصة القصيرة في مدينة (ماتيرا) الايطالية التي تعقدها مؤسسة (إنيرجيا) الثقافية الأوروبية للجائزة الأدبية عن جائزة القصة القصيرة للكتاب الشباب للعام (2017).
وحملت قصة الكاتبة أمنية أبو سويرح عنوان (رسالة طبية: حب بريء) التي حملت صورةً قوية من المشاعر الإنسانية حيث تفوقت إلى جوار خمسة كتاب شباب آخرين.
ولم تتمكن أبو سويرح، من حضور الحفل بسبب الحصار المفروض على القطاع، إلا أنها أرسلت فيديو للحفل تمكنت من خلاله نقل معاناة الشعب الفلسطيني في غزة.
** غزة سبب فوزي
كل شيء في منزل السيّد غسان أبو سويرح العائد حديثاً من الإمارات العربية المتحدة يمتاز بالهدوء والسكينة لا تخترقه سوى ضحكات حفيدته الوحيدة التي تتناوب على حملها جدتها وجدها وخالتها أمنية.
ورغم أن أمنية كتبت كثير من القصص قبل عودتها من الإمارات العربية المتحدة برفقة أمها لاستكمال دراستها الجامعية في غزة قبل 4 أعوام إلا أن تجربتها مع الحياة في غزة تحت الحرب والحصار شكلت منعطفاً جديداً انعكس على قلمها.
حين وصلت أمنية إلى غزة عام (2013) لم تكن تعرف كافة تفاصيل المعاناة التي يرزح تحتها مليونا إنسان من سكان غزة المحاصرة ومع بدء تعايشها مع الواقع اندلعت حرب غزة عام (2014) فوجدت نفسها وسط ما كانت تشاهده قديماً في نشرات الأخبار فقط.
وتقول: "الحرب الأخيرة أثرت فيّ من ناحية إنسانية لأني رأيت وعشت الخسائر والجرائم وكان أبي بعيدا عنا مما وضعني أمام مسئولية حماية أمي من الخطر فشعرت بالمسئولية بينما عشت قبلها حياة مريحة في الإمارات العربية".
ومنذ صغرها داومت أمنية على قراءة القصص والروايات الأدبية وأمسكت قلمها دوماً لتترجم ما كانت تشعر به لكن غزة بحصارها وحروبها وهمها وجهت بوصلة الإبداع صوب التميّز.
وتتابع: "بالنسبة للروايات التي تأثرت بها كثيراً فإن رواية الطنطورية للكاتبة رضوى عاشور لها نصيب كبير لأن الكاتبة مصرية لكنها تملك معلومات كثيرة عن فلسطين مما دعاني للاهتمام بتاريخ فلسطين وكذلك تأثرت برواية الفيل الأزرق لطبيب نفسي يعالج الناس ورغم أن الرواية تأخذك لمسار بعيد إلا أن النهاية تكشف أن الطبيب نفسه مريض".
وما زال نشر كتابات أمنية يقتصر على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) والتي تنال إعجاب ومشاهدة صديقات وأقارب يتصدرهم والدها ووالدتها عبر عناوين تتناول مواضيع إنسانية عن الأم والأب والأسرة والحياة والموت وغيرها.
ولم تلق أمنية بالاً لقصتها الفائزة خلال مساق دراسي في تخصص الأدب الإنجليزي بالجامعة الإسلامية ديسمبر الماضي حين نالت إعجاب مدرسة المادة وعندما سمعت بالمسابقة أرسلت مشاركتها ونسيت الأمر حتى وقعت المفاجأة السارّة.
** رسالة طبيّة
"كان المطر يهطل بغزارة في ذلك اليوم الشتوي البارد تماماً كدموعها. نظرت لها. لم أصدق أن هذه الفتاة البريئة المشرقة قد خاضت تجربة كهذه. كم تحمل من حزن في قلبها! إنها شجاعة جداً لتحملها حزنها وإخفائه وراء ابتسامتها البريئة. كطائر ذبيح يرقص من الحزن. لم أتوقع أو حتى أتخيل أنني سأراها يوماً بهذه الحالة".
اقتطعت هذه الفقرة من قصة أمنية الفائزة والتي كانت مفعمة بتعبيرات وصور بلاغية تعكس إحساساً مرهفاً، وهي تصف صديقة تعافت حديثاً من تجربة فقدان شخص عزيز بعد أن أخذت بيدها طبيبة نفسية.
وتتحدث القصة عن رسالة شكر من فتاة اسمها (براءة) غيّب الموت خطيبها فوقفت إلى جوارها طبيبة نفسية اسمها (سهى) وساعدتها على تخطي محنتها وفي ختام القصة تدعوها لحضور حفل زفافها من رجل آخر في إشارة حقيقية لأهمية مساعدة الآخرين في محنهم.
وتتابع أمنية: "أقول لكافة من يكتب القصة القصيرة أنني فهمتها بأنها فن يعكس الواقع، وأنا أعكس واقع غزة اليوم وكم من صديقات لا يعرفن أن غزة محاصرة ولا يعرفن قضيتنا ويطلبن مني الذهاب للمسجد الأقصى وإرسال صورة إهداء من هناك، وهن لا يعرفن كم من العقبات أمام وصولي للأقصى".
وتضيف: "الحرب والحصار وسّع مداركي وأفهمني أن هناك أشياء في الحياة غير الراحة والاسترخاء، وأن هناك من يخوضون حياة صعبة واليوم أهدي جائزتي لأسرتي وشعبي عامة والمحاصر منه في غزة خاصّة متمنية انفراجة قريبة أولاً للمرضى المحرومين من العلاج وأولهم مرضى السرطان".
وبعد شهور من إرسال القصة تفقدت أمنية بريدها الإلكتروني فتفاجأت بنبأ سار يؤكد فوزها بجائزة مؤسسة (إنيرجيا) الثقافية عن جائزة القصة القصيرة للكتاب الشباب.
** أسرة أمنية
طقوس أمنية في الكتابة بسيطة للغاية فيلزمها الهدوء والوحدة حتى تفلح في ترجمة واقع عاشته أو موقف تأثرت به فتنتج قصةً قصيرة غالباً ما أثارت إعجاب من حولها.
ويقول غسان أبو سويرح: " تأثرت بكتاباتي لكنها في الحقيقة تفوقت عليّ " بهذه العبارة يفتتح والد أمنية الحديث معرباً عن سعادته بفوز ابنته بالجائزة التي شكّلت مفاجأة له.
وفضّل أبو سويرح مؤخراً ترك عمله كمدير مالي في دولة الإمارات العربية المتحدة واللحاق بزوجته في غزة وابنتيه فلم يعد له شيء هناك بعد أن سبقوه لغزة وسكنا بيتاً بناه منذ فترة طويلة.
ويتابع: "قرأت وتابعت كتاباتها منذ صغرها وكنت دوماً أتساءل كيف لأمنية الصغيرة أن تكتب هذه الصور الخيالية وبعد أن عاشت الحرب مع أمها وحدهما في غزة لاحظت اتساع مداركها في الكتابة وكنت أسألها متعجبا ًهل فعلاً هذه الكلمات والقصص من قلمك؟!" .
وتؤكد والدة أمنية التي كانت تعمل معلمة للغة العربية في الإمارات العربية المتحدة أنها كزوجها لم تتوقع بعيد حرب غزة تطوّر قدرات أمنية التي تغيرت كتاباتها بعد أن عاشت الحصار والحرب.
وتضيف:" تفاجئني أمنية بتناولها للموضوع والتعبير لكني سألخص ابنتي في كلمات فأمنية طفلتنا الصغيرة لم تكن تعرف شيئا من مشاكل الحياة، وفجأة كبرت وزاد اهتمامها بالناس في غزة وترجمت ذلك في قصصها وكتاباتها".
اليوم كل ما ترنو له أمنية التي تخرجت حديثاً من تخصص الأدب الإنجليزي أن تواصل الكتابة وتزيد من حصيلتها الثقافية، متحدثةً عن إيقاع الحياة في غزة التي يجهل العالم كثيرا من آلامها.