قائد الطوفان قائد الطوفان

"الرسالة" التقته بعد خروجه من معتقل الوقائي

الشهيد أبو طعيمة يترجل بعد صراع مع الاحتلال وأجهزة عباس

الخليل- لمراسلنا                       

في بيته المتواضع وسط مخيم الفوار وبعد اجتيازنا لنقاط المراقبة الصهيونية على مدخل المخيم الشمالي، انتظرنا قليلا حتى عاد الشيخ كمال أبو طعيمة من مسجد قريب كان يصلي فيه، صدمنا لهول الموقف عندما شاهدناه يتكئ على عكاز بيده اليمنى فيما يستند إلى كتف نجله سياف من الجهة اليسرى، أمور كثيرة تغيرت في حياة هذا القائد الذي ربى جيلا كاملا في مخيم الفوار.

فالرجل الذي ابهر الجماهير بخطبه وخطاباته أصبح لا يقوى على الكلام، حزن عميق كان مرسوما على محياه، شيئان لم يتغيرا، ابتسامته الرقيقة المفعمة بآلام عذابات السجون وعقيدة راسخة لم تطويها عصابات القتل والدموية، حيث أكد لنا الشيخ أبو طعيمة انه سيتحدث لكل الناس بكل ما جرى له على يد عناصر الأجهزة الدايتونية، وانه لا يخشى في الله لومة لائم.

داعية ومعتقل

منذ ثمانية عشر عاما بدأ كمال أبو طعيمة حياته التعليمية، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة القدس أبو ديس ، وكان يعمل مدرسا في مدرسة ذكور يطا الأساسية، نشأ الشيخ كمال (أبو سياف) 44عاما في مخيم الفوار الذي شكل مثلثا للرعب على مدار خمسين عاما عرف بدماثة أخلاقه وهدوءه، وكان خطيبا مفوها ورجلا ذو مكانة وشعبية بين أهله ومحبيه، وكان معطاءً محبا للخير تجده رجلا صلبا في كافة المواقف.

اعتقل الشهيد أبو طعيمة عدة مرات لدى سلطات الاحتلال، وأمضى ما يقارب الـ 6سنوات في السجون الصهيونية، كانت تهمته بحسب لوائح الاتهام تشكيل خلايا تابعة لحركة حماس والمشاركة في تأسيس الحركة داخل المخيم ونشاطات تنظيمية.

كان معروفا لدى أبناء المخيم بأنه من مؤسسي حركة حماس واحد شخصياتها القيادية، تم استدعاؤه عدة مرات لدى جهازي المخابرات والوقائي لإجراء استجواب معه انتهت باعتقاله بتاريخ 16/9/2008م.

يروي قصته بنفسه

عندما جلس معنا كمال أبو طعيمة في بيته بعد خروجه من سجن الوقائي، كان يروي ما حدث معه بنفسه لكل المواطنين الذين كانوا يزورونه، قال بالحرف الواحد: إن جهاز الوقائي وعناصر المحققين داخل مقر الوقائي في الخليل عذبوه عذابا شديدا، استخدموا فيه الأكياس السوداء والكرابيج، واشد أنواع الآلام التي تعرض لها كالضرب المبرح على أيدي شبان من جيل أبنائه، وأكد أبو طعيمة أن عناصر الوقائي كانوا يضربونه على رأسه بشدة ويربطونه إلى باب حديدي لأيام وكانوا لا يسمحون له بالنوم ساعات طويلة.

ويؤكد بالأيمان الغلاظ أن المحققين كانوا يمارسون معه أساليب الاهانة والشتم والسباب وكانوا يتعاملون مع المحتجزين لديهم كأنهم قطيع من الغنم.

بكينا أكثر من مرة أثناء حديثنا مع أبو سياف، حيث كان اشد ما يحزننا انه يبكي بحرقة عندما يتذكر مواقف التعذيب والتنكيل التي تعرض لها في سجون الوقائي وكلما سألناه عن الشبح وأساليب التعذيب التي مورست معه غاص في نوبة بكاء مؤلمة تتقطع لها القلوب ، واقسم بالله وبصوت متحشرج ولا نكاد نسمعه بسبب وقع الجلطة التي أفقدته النطق جزئيا واصبح كلامه غير واضح ، اقسم أن جهاز الوقائي تعمد له الإهمال الطبي، حيث اتهموه بعد إصابته بالجلطة أنه يمثل عليهم، علما أن الأطباء أكدوا إصابته بالجلطة وانه يحتاج إلى المستشفى.

وقد أكدت زوجته في تلك اللحظة أنها تلقت مكالمة هاتفية من مستشفى الخليل الحكومي ولم تستطع تمييز صوت المتحدث معها، وذلك بتاريخ 27/5/2009م وكان المتحدث أبو سياف، حيث اخبرها بلغة ضعيفة جدا انه في المستشفى وانه أصيب بجلطة دماغية.

تقول أم سياف: توجهنا إلى المستشفى، حيث كان يخضع زوجها للرقابة والحراسة المشددة، ومكث أبو طعيمة تحت العلاج خمسة أيام وعندما تحسن وضعه الصحي قليلا، أخرجوه من السجن، لأن وضعه الصحي كان لا يسمح بإعادة اعتقاله.

روايات شهود عيان

عدد من المختطفين في سجن الوقائي في معتقل الظاهرية -حيث كان يحتجز أبو طعيمة بعد خروجه من أقبية التحقيق- أكدوا لنا أنهم بتاريخ 23 /5/2009 كانوا يجلسون في إحدى غرف السجن و سمعوا صوتا خافتا يناديهم بالاسم (يا فلان ) فلما انتبهنا اتضح أن المنادي هو الشيخ كمال .

 (المواطن ا.ع) والذي كان معه في نفس المعتقل أكد انه ولدى سماعه الصوت توجه إلى أبو سياف كان حينها صائما و يقرأ القرآن، حيث توقعنا في البداية انه أصيب بالإرهاق نتيجة الصيام ولكن فوجئنا به يسقط على الأرض دون أن يستطيع الوقوف. ويضيف الشاهد حملناه وأجلسناه ثم طلبنا مساعدة السجانين وقد تم نقله إلى مستشفى عالية الحكومي وقد اخبرنا احد المعتقلين في سجن الظاهرية أنهم لم يسمحوا له بالبقاء بالمستشفى، حيث تمت إعادته إلى المعتقل ،مما أدى إلى إصابته بالجلطة مرة أخرى وبعدها تم نقله إلى مستشفى عاليا مرة أخرى  ويؤكد الشاهد انه سمع من المعتقلين أن أبو سياف أصيب بالإعاقة نتيجة الجلطة وتم الإفراج عنه بعد خمسة أيام. 

بعد مرور 45 يوما على اعتقاله تقدمت عائلة أبو سياف بدعوى قضائية لمحكمة العدل العليا في رام الله والتي أصدرت قرارا فوريا للإفراج عنه، حيث لم يقدم جهاز الوقائي مبررا عمليا لاستمرار احتجازه، وكان تاريخ إصدار القرار 2/11/2008م إلا أن جهاز الوقائي لم يمتثل لقرار المحكمة واستمر في احتجازه حتى تاريخ 29/5/2009م بعد إصابته بالجلطة بخمسة أيام.

ظل أبو سياف يعاني من صعوبة في الحديث وخلل في التوازن وضعف عام في الجسد وشلل في يده وساقه وكان لا يستطيع المشي إلا بمساعدة الآخرين.

وفي منتصف شهر تموز المنصرم قرر الأطباء إجراء قسطرة دماغية له حتى يتمكن على الأقل من المشي إلا أن وضعه الصحي تدهور وأعلن الأطباء في مستشفى المدينة الطبية في الأردن عن إصابته بحالة موت سريري، وأكدوا أن نسبة شفاءه لا تتجاوز الـ 5% ،حيث بقي على حاله حتى استشهد يوم الثلاثاء 4/8/2009م.

هذا وقد قامت عائلته بإحضار جثمانه ظهر الأربعاء، وأجريت له جنازة شعبية ألقيت فيها الكلمات التأبينية ليعود إلى مسقط رأسه وثرى وطنه ، رحمه الله واسكنه فسيح جنانه.

 

 

البث المباشر