"أيام زمان" مطعم شعبي بغزة أقرب إلى المتحف الآثري

تصوير: خالد مهنا
تصوير: خالد مهنا

غزة-محمد شاهين

للوهلة الأولى، وحين تقرر الدخول إلى أحد المطاعم الشعبية التي تفتح أبوابها على شارع صلاح الدين وبالتحديد بمنطقة الزيتون شرق غزة، تعتقد أنك قد أخطأت مقصدك ودخلت إلى متحف مختص في المقتنيات الأثرية والتراثية القديمة.

فعلى محض الصدفة حلت "الرسالة نت" في زيارة مطعم أيام زمان، الذي صمم من الداخل بطريقة لا تشبه غيرها من المطاعم، فثمة ما يدفعك إلى تأمل كامل تفاصيله من الداخل، وقبل أن تصل إلى صاحبه الذي ينشغل في بيع زبائنه "الفول والفلافل والحمص" يدهشك صوت المذياع وتفاصيله الذي تجاوز عمره ال 50 عاماً.

بعد أن دفعنا الفضول للتعرف على قصة إنشاء المطعم، لم يبد صاحبه صبري رحمي 43 عاما، أي اعتراض ليروي لنا قصته الطويلة مع القطع الأثرية والتراثية التي يعود وجودها إلى ما قبل تأسيس دولة الاحتلال "الإسرائيلي"، وكانت تستخدم من الاباء والأجداد في بلداتهم المحتلة.
170B6312

منذ الطفولة

لم يكن سهلاً على أبو رحمي أن يجمع قرابة ال 1000 قطعة تعود جميعها للعصور القديمة، خلال فترة زمنية قصيرة، إذ بدأ هوايته باحتوائها منذ كان في ال 13 من عمره، بعد أن كان يخبئ مصروفه المدرسي لشراء ما يستطيع منها نهاية كل أسبوع من سوق "فراس" القديم وسط غزة.

وبعد أن قرر الأربعيني البدء بتجميع أكبر عدد من هذه المقتنيات بعام واحد، شرع بالعمل في أحد أشهر مطاعم الفلافل في قطاع غزة الذي استمر فيه عاملاً لما يزيد عن ال 22 عاماً، وحينها كانت أجرته الأسبوعية تذهب ثمناً لشرائها بأسعار مرتفعة.

أن ينفق فتى مراهق أجرت عمله على شراء مقتنيات قديمة قد لا تصلح لأي شيء، لم يكن شيئاً ليتقبله والدي صاحب البشرة السمراء، ما دفعه إلى شرائها سراً، ووضعها في أماكن لا يصلوا إليها بسهولة.

170B6320

مراحل الانشاء

بعد أن قرر المعيل لخمسة أبناء أن يفتتح مطعماً خاصاً به قبل 8 أعوام، تبلورت لديه الفكرة بأن يجعله مكاناً يبرز هوايته، فقرر أن ينصب رفاً صغيراً يعلق عليه أبرز المقتنيات التي يفضلها، الأمر الذي لفت إعجاب عدد كبير من الزبائن، وشجعه على زيادة عددها تدريجياً إلى أن وصلت ل 500 قطعة يحفظها جميعاً.

ومع مرور الوقت أصبح مطعم أيام زمان الذي يعود أصل تسميته للقطع التراثية التي يحتويها وطريقة تصميمه القديمة، مزاراً مفضلاً لكبار السن الذين يجلسون وقتاً طويلاً ليتذكروا مراحل طفولتهم التي قضوها في بلداتهم وقراهم المحتلة.

ويفتخر رحمي بالصداقة التي أسسها من خلال هذه المقتنيات مع عدد كبير من المسنين الذين عاشوا مرحلة الهجرة، ويروي "للرسالة"، بأنهم يأتوا لتناول طعام الإفطار ودموعهم تذرف، بعد أن يخبروه بأن المشهد قد أعادهم إلى بلداتهم المحتلة وخصوصاً سوق يافا الذي كان يحوي معظم مقتنياته.

170B6305

أبرز المقتنيات

ومن أبرز المقتنيات داخل المطعم مفاتيح العودة وأباريق الشاي والقهوة، والبواريد التي قاوم بها الأجداد الاحتلال البريطاني، والمذياع الذي كان يجتمع عليه أهالي الحي والخناجر ولمبات الكاز وغيرها من القطع التي يصعب الحصول على واحدة منها خلال هذه الأيام.

ويكشف صاحب الهامة الطويلة انه اضطر قبل 6 أعوام إلى السفر لمصر من أجل شراء قطع الكترونية للمذياع بعد أن تعطل عن العمل، وبعد جولات من البحث استطاع أن يجلبها ويعيد تشغيله من جديد، كونه له مكانة خاصة بعد أن ورثه من جده.

ويوصي رحمي، كل من لديه قطعة أثرية بأن لا يفرط بها بسهولة كون الاحتلال يحرص على شرائها مقابل مبالغ مالية كبيرة، ليمحوا الأثار الفلسطينية القديمة التي تتعلق بالأرض، وبالرغم من كثافة العروض التي يتلقاها من أجل شراء أي قطعة تركن في المحل إلا أنه يرفض بيع أي واحدة.

وفي نهاية حديثه يخبرنا أن أقدم قطعة لديه هي خنجر يتعلق فيه خاتمه مصنوعين من الفضة الخالصة ويعود تاريخ صناعته للعهد الفرعوني بمصر.
170B6326

البث المباشر