قائمة الموقع

رصيف الميناء

2017-11-23T09:56:51+02:00
الصورة: للمصور الفلسطيني فادي ثابت
الرسالة نت


رشا فرحات 
على الرصيف شاب يمسك بيد محبوبته يحاول إلصاق كتفه بكتفها ما استطاع؛ تنظر اليه خلسة بابتسامة مليئة بعلامات الاستفهام، ومن عينيه ينطلق فرح مملوء بالرغبة، تبدو عروسه، او ربما محبوبته، من السهل أن تكتشف ذلك في مدينتنا؛ فهنا لا يلتصق الأزواج ببعضهم التصاق العاشقين، أو لا يخرجون فرادى على الأغلب.

احدق في المشهد؛ وغروب شمس بحر غزة يقلب كل الحقائق؛ هنا وهنا فقط، يمكنك أن ترمي كل أثقال اليوم، والمدينة، والمعابر، والحصار، والمفاوضات، والمؤامرة الخارجية، هنا فقط على هذا الشاطئ، يذوب كل شيء بتفاعل عجيب مع الشمس والأمواج، فتصبح الأوجاع باريسية، أو يهيأ لك في لحظة تأمل لجمال المشهد أنك في مكان اخر.

صوت التأمل، وصمت الشمس، وحركة الأمواج يخترقه صوت امرأة تردد: "الهوا برد الروح يمه"، تهمس وهي تسحب ابنتها العشرينية، لتشعر بذات الشعور، ولكنها لا تشعر، تقف بجانبها، بلا اكتراث، هذا الهواء آخر اهتماماتها.

وهنا بينما ألقي النظر بين الشمس وما يقابلها من واقع على الجهة المقابلة وبالقرب من المسجد الجديد ذو المئذنة المبهرة الألوان؛ بساحاته الرخامية ذات الأعمدة العملاقة، هناك تحديدا على أرضية الساحة اللامعة يقف رجل لا يشبه الجدران ، يبدو عليه وكأنه اتى من مشهد آخر، وجوده لا يشوه جمالية المنظر، وجوده يقسم الصورة فقط، وقد تبدو للوهلة الأولى مركبة.

 يجر عربة خشبية ويكوم تلة من الفول النابت المزين بقطع من الليمون اللماعة؛ وبعض من حبيبات اللوز المملح، ربما رصتها زوجته هذا الصباح بهذه الشاكلة في تلك الصينية.


 ينادي بصوت يصدح مع ارتفاع صوت الأذان " ابعت يارب.. دخيلك ابعت يارب"
 بينما المئذنة تردد، الله أكبر.
 فتحلق الرسائل مسرعة الى السماء، دون أن ندري أيهما ستصل أولا !

وهناك على الرصيف المقابل للمسجد لوحة مطلية بالأحمر؛ ذوقها رديء، تقدم إعلانا لإحدى الجمعيات عن إمكانية الحصول على زوجة بالتقسيط، لا يثير الاستغراب، ففي هذه المدينة، كل شيء يمكنك شراؤه بالتقسيط، حتى الزوجة.

وعلى جدار المسجد ذو المئذنة العالية ينزع أحدهم لوحة جلدية كتب عليها دعاء للأسرى، مختومة بشعار أعرفه، لم أشاهدها رغم مروري اليومي من هنا، لفتت نظري اليوم بينما كان أحد العمال بالمكان ينزلها ويرفع أخرى غيرها، مختومة بشعار آخر، لا أذكر لمن، لا تحوي دعوة للأسرى، كانت دعوة لحضور مهرجان غنائي على شاطئ البحر، اعتقد أنه أيضا لأجل الاسرى، كل شيء هنا يمكنه أن يكون إكراما للشهداء والأسرى، دون أن يراه الشهداء والأسرى!

تأملت المشهد الغريب للوحة التي تنزل من علو، والأخرى التي تعلو مكانها، فابتسمت،  قبل أن يشوه مسمعي صرخات السائق في السيارة المجاورة، يلعن ويسب سائقا اعترض طريقه، بينما يحلف أيمانا مغلظة بأنها كانت نقلته الأولى منذ الصباح! 

وعلى شرفة مقابلة للمسجد في إحدى العمارات الفارهة، المطلية بالأبيض، ذات النوافذ الخضراء، التي تغلق بإحكام في وقت الحاجة، وتعزل سكانها عن المدينة،  هناك في الطابق السابع ألمح احدهم، يدخن سيجارته بعيدا عن ضوضاء الميناء، قبل ان يضحك بصوت مرتفع على ذلك الرجل العجوز، الذي يسير على الرصيف المقابل، اجل، ذلك، رأيته أيضا أنا، كثيرا من المرات، كان يصرخ بينما تنتفخ اوداجه، ويحمر وجهه كل يوم بنفس الطريقة، ويخاطب المارين على الرصيف، المارين دون اكتراث، وهو يبكي، كما في كل المرات، ويصرخ بإصرار في وجوه المارين بجملة واحدة " جميعكم تعساء، جميعكم" 


يلتفتون إليه، بابتسامة ساخرة، دون اكتراث
بينما أردد أنا: ما الجديد، يعرفون ذلك !

اخبار ذات صلة