لا تتشابه الحالة السياسية الفلسطينية مع أي حالة أخرى فهناك سلطة تحت الاحتلال بثلاث مناطق منفصلة وعاصمة لا تزال تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.
لربما نتج هذا عن حالة الاحتلال، فليس باليد حيلة، أما المفارقات الأخرى فقد كانت بالأيدي الفلسطينية نفسها. اليوم مثلا وبعد قرار ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وما تبعها من حالة غضب واشتباك فلسطيني مع الاحتلال كان متوقعاً المضي بشكل أسرع في عملية المصالحة إلا أن العكس هو الذي حصل فقد توقفت عجلة المصالحة كلياً.
وبقيت غزة التي تواجه الخطوة الأمريكية مع شقيقتها الضفة الغربية بالمواجهات اليومية ومسيرات الغضب تحت العقاب "العباسي" فلا رواتب موظفي السلطة عادت كما كانت بدون خصومات ولا الكهرباء تحسن حالها.
بل واستمرت مجزرة التقاعد بحق الموظفين كان آخرها إحالة 400 من مكتب الرئيس في غزة للتقاعد القسري من بينهم شبان لم تتجاوز أعمارهم 40 عامًا، بينما الرئيس وحاشيته في اللجنة المركزية لحركة فتح تجاوزت أعمارهم السبعين والثمانين عاما، ولا يزالون متشبثين بمواقعهم ومناصبهم القيادية.
المفارقات تكمن أيضا في التباينات الفتحاوية بين التصريحات والسلوك فعلى سبيل المثال يقول عضو اللجنة المركزية محمود العالول: "إن اتفاق أوسلو انتهى بعد قرار ترامب بشأن القدس وكل أشكال المقاومة مشروعة"، إلا أن التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة متواصل، وحتى المقاومة الشعبية في الضفة الغربية مقيدة كثيرا بفعل إجراءات السلطة وأجهزتها الأمنية، فكيف يمكن أن تكون كل أشكال المقاومة مشروعة وفق ما يقوله العالول.
ستبقى المفارقات قائمة طالما أن هناك تشوها كبيرا يطال النظام السياسي الفلسطيني برمته، ففصائل كبيرة مثل حماس والجهاد الاسلامي خارج منظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبر البيت المعنوي للفلسطينيين، وذلك رغم أن حركة حماس فازت بأغلبية في انتخابات عام 2006، وتكشف استطلاعات الرأي ومن بينها استطلاع مركز البحوث المسحية في رام الله الأخير تفوقا كبيرا لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية على الرئيس محمود عباس في حال جرت انتخابات رئاسية.
المفارقات التي نعيشها اليوم يمكن أن تزول في حال قررت حركة فتح ورئيسها تعديل المسار السياسي الذي تسير فيه، فهل يفعلها الرئيس عباس بعد خذلانه من "ِشركائه" في عملية التسوية أم أنه سيبقى متعلقا بــ"أحبال الهوا".