لم أتأثر في شهيد كما تأثرت بإبراهيم أبو ثريا وهو يرتقي شهيدا برصاص الاحتلال بعدما حاول أن يغرس علم فلسطين في التراب المروي بالدم، انتشرت صوره كثيرا في المواجهات قبل استشهاده وتأثرنا به وبعزيمته، إلا أننا لم ندرك رحيله بهذه السرعة وقوة والحضور، فقد تميز بين المتظاهرين بثورته وإقدامه وبقدميه المبتورتين وقد فقدهما بقصف صهيوني قبل سنوات، إلا أن هذا لم يمنعه من مواصلة سعيه المقاوم بطريقته الخاصة؟ فلم يتخلف عن يوم مواجهات واحد على السلك الزائل، وكان متيما بالوحدة ورفع العلم الفلسطيني والهتاف للقدس الذي تمنى زيارتها والصلاة بالمسجد الاقصى، ولمح بصوته ونبرته عشق قليل ما يظهر.
شعرت انه نموذج يعبر بكل تقطيعة منه عن المعاناة الفلسطينية بتفاصيلها الدقيقة والمتنوعة، مصاب فقير معدم ذو همة عالية بسيط ذو طموح مشغول بقضيته، يحمل همة لا تتراجع، يتقدم بسرعة بلا قدمين، يسير وقد بترت ساقه، ومع ذلك يصل ويرفع العلم بإباء وتحدٍ، فيستهدف ويغتال برصاصة قناص لإسكات الصوت الفلسطيني، حتى ولو كان هذا الصوت مظلوم الى هذا الحد.
اغتيال ابراهيم علامة أننا امام تحول مهم من انتفاضة واحتجاجات شعبنا، فأضحى أيقونة عالمية بدأت تنتشر، وهو خير من يمثل شعبنا في لحظة التيه وتخلي الأمصار وتراجع العمق العربي واضطرابه، خير من يمثله في ظل ضجيج التخاذل والتراجع والانهزام، فلم يترك مواجهة مع الاحتلال إلا وشارك فيها، ولم يدعى لمسيرة إلا وسعى لها سعيها، ولم يقبل بالصفوف الخلفية، فتقدم الجمهور رغم عجز قدميه، يُسأل لماذا؟ يقول بصوته العفوي الصادق إنها القدس هي قلوبنا هي قلبي، هم على ارضنا ويمتلكون القوة والسلاح ونحن نتمسك بها.
إبراهيم كان فلسطينيا صرفا يرفع علمها ويجمع فصائلها والوانها المختلفة، يحب حماس والقسام وينشد لأبي عمار، ويخرج مع الجهاد ويشارك اليسار، كأنه بؤرة تجميع للهم والقضية والطموح، فبكاه الجميع وتأثر به وشارك في وداعه بأهازيج الحب والاعتزاز.
إبراهيم أثبت لنا وللعالم أن القدس تستحق أن يخرج الكبد الفلسطيني فيراق في سبيلها وطريقها، واليوم نقدم في هذه الطريق أغلى ما نملك من شباب ورجال ونساء واطفال دون تردد او تروي.