أكد رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل، أن المرحلة الراهنة تتطلب شراكة وطنية في إدارة القرار النضالي والسياسي، وتسمح بالتوافق الوطني على مقاومة شعبية جادة في الضفة الغربية والقدس، مبينا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي "أراد أن يستعجل في تطبيق خطة القرن بأن يفرض واحدا من أهم عناوينها بحسم ملف القدس لصالح الكيان الصهيوني"، موضحا في ذات الوقت أن هذا القرار أوجد جوّاً فلسطينياً أخرج المصالحة الوطنية من لحظة انسداد محتملة.
جاء ذلك، خلال استضافة صحيفة "الرسالة" لمشعل عبر تقنية البث المباشر بحضور عدد من الكتاب والمحللين السياسيين بمقرها في مدينة غزة، وذلك بمناسبة الذكرى الثلاثين لانطلاقة الحركة، حيث تناول الحوار أهم التحديات الراهنة، وتداعيات قرار ترمب الأخير بشأن القدس وسبل مواجهته، والعديد من الملفات التي وضعت على طاولة الحوار.
واستهل مشعل اللقاء بقوله: "إن تزامن الانطلاقة لهذا العام مع قضية القدس يلقي بظلال إيجابية كونه يعطي تحديات محفزة، خاصة وأن العلامات البارزة في مسيرة الشعوب تكون مؤلمة لكنها مبشرة"، مبينا أن مسيرة حماس جزء من مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية على مدار 100 عام وحلقة من سلسلة في تاريخ القضية، مشيرا إلى أن حركته بدأت العمل والتحضير بمدة تسبق الانطلاقة بعشر سنوات.
ولفت إلى أن الحركة بدأت في عام 1977 مرحلة التأسيس في الداخل والخارج، وهو ما توج في عام 85 بقرار إنشاء قيادة عليا لهذا المشروع كانت روحه العامة بأن ينخرط الاسلاميون في فلسطين في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال ويشاركوا بقوة في النهوض بالقضية الفلسطينية.
وبحسب مشعل فإن العامين ما بين 85 وحتى 87 كانا مهمين في بناء واستجماع ركائز العمل والتواصل بين الخارج والداخل، وهو ما جعل الحركة تنطلق قوية مع انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987 تحت اسم (حماس) مستندة إلى تاريخ طويل للحركة الإسلامية الفلسطينية.
ويؤكد أن حماس منذ اليوم الأول وقفت على رؤية عميقة وشاملة للصراع "لذلك بنت استراتيجيتها بالاعتماد على أربعة أبعاد؛ الأول استحضار أنها أمام عدو شرس يستدعي الدين والتاريخ المزور له ويوظف العلمانيين الصهاينة والبعد القومي لليهود في العالم".
والثاني أن هذا العدو يستند لبعد دولي تماهى معه من خلال منفعة متبادلة بينهما، وأصبح قاعدة متقدمة للقوى الغربية الاستعمارية أما البعد الثالث فهو شعبنا الفلسطيني الذي يناضل من عشرات السنين ويحمل إرثاً كبيراً وتجارب غنية في النضال والمقاومة منذ فجر القرن العشرين.
نستطيع إجبار الإدارة الأمريكية على التراجع عن قرارها بشأن القدس كما أجبرنا الاحتلال على إزالة البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى
ويذكر مشعل أن البعد الرابع يتمثل في إيمان حماس بأن للقضية "عمقا عربيا وإسلاميا ذا أبعاد دينية وتاريخية وحضارية واستراتيجية، ولا بد من العمل على تعزيزه".
ويرى أنه وبعد قرار ترمب بات الشعب الفلسطيني وقيادته أمام معركة كبيرة، موضحا أن ما جرى ساعد على تجاوز العثرات التي أصابت المصالحة في أسابيعها الأخيرة، واعتبر أن القضية فقدت عددا من أوراق القوة التي كان يملكها الشعب والقيادة الفلسطينية في العقود الماضية، "إلى جانب أننا أصبحنا أمام عالم عربي مثقل بالأزمات منشغلٍ بجراحه، فضلاً عن تغير وتراجع في مواقف عدد من دوله، إلى أن وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيه بعض الدول تسعى للتضحية بالقضية الفلسطينية في سبيل حل أزماتها الداخلية ومعاركها الجانبية، وجاءت صفقة القرن تعبيراً صارخاً عن ذلك، بعد زمن كان العرب يضحون من أجل القضية".
ويعتقد مشعل أن ترمب قرأ واقع العالم العربي لذا ذهب في خطته المجنونة، وأراد أن يستعجل في تطبيق خطة القرن بأن يفرض واحدا من أهم عناوينها، وهي حسم ملف القدس لصالح الكيان الصهيوني، وهنا طالب مشعل بترجمة هذا التحدي الكبير إلى نضال متعدد الجبهات بحيث يجبر أمريكا على التراجع عن القرار الأخير، ويعيد إحياء القضية والقدس في الأمة وعلى الصعيد الإقليمي والدولي".
استراتيجية مواجهة
وفي سياق الحوار طرحت العديد من المداخلات والأسئلة على رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، استهلها الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل بقوله: "أغلق القرار الأمريكي مرحلة البحث عن بديل وتسويات، ونقلنا إلى مرحلة الصراع المفتوح على كل الأرض الفلسطينية، فما هي رؤيتكم لاستراتيجية المرحلة الممكنة للتعامل مع قرار ترمب الأخير؟".
وجاء رد مشعل بالقول: "في السياسة والحياة يجب تفكيك القضايا لتحييد العناصر المتفق عليها ومن ثم تحديد الدائرة المطلوب البحث فيها والتوافق عليها، وأي إنسان في موقع القيادة يجب أن يكون صادقا مع نفسه ويتعامل مع حقائق الواقع كما هي"، وتابع "المواقف الأوروبية لا تملك أسنانا ولا عنصر المبادرة"، معبراً عن اعتقاده بأن "التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي" دفعت ترامب للهروب للأمام باسترضاء الإسرائيليين، "لذا هو مستعد لتقديم المزيد من التنازلات، ولا يملك رؤية ثابتة لحل الصراع العربي الإسرائيلي وسيظل يتماهى مع الرؤية الإسرائيلية، وبالتالي الموقف الأمريكي لا يراهن عليه".
"الأمر الثاني وعند الحديث عما هو معروض حاليا في التسوية ثبت عمليا أن الاحتلال انتهى من حل الدولتين، والذي يمثل السقف العربي والفلسطيني الرسمي، والغرب يعلن تمسكه به لكنه لا يملك شئيا، أما أمريكا حتى لو ادعت انها مع حل الدولتين فإن سلوكها السياسي والعملي خلاف ذلك".
وتابع "الأمر الثالث أننا أمام واقع يقبل فيه بعض العرب بأدنى من حل الدولتين وأدنى من المبادرة العربية التي أطلقوها من قبل، وهم غاضبون من أبو مازن لأنه رفض طلبهم بتعديل المبادرة العربية والبدء بالتطبيع قبل التسوية، وأما الأمر الرابع في تشخيص الواقع فإن هناك مخططاً لدى البعض في المنطقة لتجاوز القيادة الفلسطينية وتحضير قيادة جديدة تقبل بصفقة القرن ".
وأضاف مشعل "أن هناك ملامح وخطوط لصفقة القرن وفق ما يتحدث به أصحابها، تبدأ بترسيم وشرعنة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني بغطاء فلسطيني، مع شكل ما من أشكال التسوية هي عملياً تصفية للقضية من خلال ضم جزء من سيناء لغزة وتلك المنطقة تعتبر حينئذ الدولة الفلسطينية ويقام فيها مطار وميناء، أما القدس فتحسم لصالح الكيان الصهيوني، مع شطب حق العودة، وتبقى الكتل الاستيطانية في الضفة تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة من البحر إلى النهر، وما يتبقى من مدن الضفة حيث الكثافة السكانية الفلسطينية فتخضع لحكم ذاتي محسن يُلحق بالأردن".
لذلك فإن هذه المشاريع كما يقول مشعل تركت توجسًا لدى القيادة الفلسطينية والأردنية، وهي تأتي على حسابهما وعلى حساب القضية والأردن معاً.
قرار ترمب أخرجنا من لحظة انسداد محتملة في مسار المصالحة
وبشأن الاستراتيجية القادمة، بيّن مشعل أن كل قائد فلسطيني يجد نفسه أمام الحالة السابقة الصادمة فإن عليه مواجهة الحقيقة بشجاعة ومسؤولية، مضيفا أن ما صدر في اجتماع الجامعة العربية الأخير لم يكن عند مستوى المأمول، لذا علينا الخروج من رتابة الخيارات المتداولة المستهلكة والتي ثبت فشلها وعجزها، خاصة أنه لم يعد هناك ما نخسره".
وزاد قائلا: "لابد من تشاور فلسطيني عميق بين جميع القوى والشخصيات الوطنية في الداخل والخارج، وأن يبادر الرئيس الفلسطيني للدعوة إليه ورعايته، ودعوته لانعقاد المجلس المركزي جيدة لكنها لا تكفي، واعتقد أن حماس وجميع القوى منفتحون على جميع أشكال التواصل والتشاور والتداول بعيدا عن أي تعقيدات قديمة لأننا أمام تحدٍ كبير يهددنا جميعاً".
وقال مشعل: "الحل العملي الذي يمكن التوافق الوطني عليه هو مقاومة شعبية حقيقية جادة في الضفة والقدس بإدارة وطنية مشتركة مستندة إلى استراتيجية سياسية متفق عليها، وإدارة القرار والتحرك السياسي بالشراكة، إلى جانب وقف التنسيق الأمني مع العدو، ثم نبادر بالتعاون مع العرب والمسلمين ممن يتوافق معنا على هذه الأرضية، هذه الاستراتيجية ليست معقدة ولا حالمة، بل واقعية وجادة، ونستطيع أن نحصل من خلالها على الكثير ونحشر نتنياهو في الزاوية، ونجبر أمريكا والعالم على احترام إرادتنا وحقوقنا، وغزة بالطبع ستظل حاضرة بثقلها في هذه الاستراتيجية بما تملكه من مقدرات وخيارات، ولست مع أي تصعيد عسكري فيها لأنه سيشكل مخرجًا لنتنياهو في الوقت الحاضر".
حوار فلسطيني
وفي سؤال وجهه الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف قال "تواصلتم مع أبو مازن، هل شعرتم أنه يريد ما تريدون أو ما يريده الشارع، لأننا لا نراهن لا على الموقف العربي ولا الدولي بقدر الموقف الفلسطيني؟"، فأجاب مشعل قائلا: "نعم لدينا ألم في غزة بالعقوبات وتباطؤ المصالحة، وصيتي بأننا في لحظة تاريخية لذا يجب تجاوز مشاعر الألم هذه، حتى نعمل معاً في مواجهة التحدي الكبير، ومن حق غزة أن تتخلص من الحصار والعقوبات وأن تحل أزماتها وتعيش والكل الفلسطيني مصالحة حقيقية، واليوم وفي ظل التطور الأخير هناك فرصة للكتّاب والصحفيين أن يسمعوا القيادة الفلسطينية لغة واحدة ويطالبوها بمسؤوليتها فنحن جميعا مستهدفون، والقيادة الفلسطينية مستهدفة كذلك وهي تدرك ذلك، ومن هنا يجب اجراء حوارات جادة لتبنى استراتيجية هي في متناول اليد حيث أن هناك قواسم مشتركة نستطيع أن نعمل بها".
واستكمالا لحلقة النقاش مع مشعل، قال المختص بالشأن الأمني الدكتور إبراهيم حبيب: "عوامل البيئة السياسية تقول إن حماس تتكئ على عوامل التمني أكثر من الحقيقة، وهو ما ينقلنا للسؤال عن المصالحة ورفع الفيتو عنها، لذا ألا تعتقد أن دخول حماس للمصالحة بهذا الشكل هو ضمن فخ إقليمي لتمرير صفقة القرن؟ وأليس الدخول في المصالحة دون شروط هو تكرار لفشل فتح في المفاوضات دون شروط؟"
وفي هذا الصدد رد مشعل: "بأنه في مثل هذه الحالة المعقدة فإن المطلوب من القيادة الكثير من الجدية والتوازن والبحث عن مقاربات تجمع بين التمسك بالثوابت ومحاولة تلمس الفرص ودرء المخاطر في المسار المعقد والصعب".
وتابع: " حماس ليست متعلقة بأوهام لكن ظرفنا معقد وصعب، تستطيع أن تعبّر عن مواقفك الثابتة وتكتفي وهذا سهل، وتستطيع أن تتماهى مع الواقع وتبحث عن مخارج سهلة بالتخلي عن الثوابت والحقوق وهذا خطأ كبير. ما تفعله قيادة الحركة في الماضي وفي الحاضر هو محاولة للتحرك الذكي ضمن إطار رؤيتك الوطنية وتمسكك بحقوق شعبك من أجل البحث عن أي فرصة لصالح شعبنا وقضيتنا وفي إطار الشراكة الوطنية بين جميع مكونات شعبنا وقواه".
لا يسعنا في الساحة الفلسطينية التحرك إلا بعقل وطني وليس حزبياً
وأضاف "اليوم ما هو الجديد الذي يمكننا البناء عليه؟ اعتقد أن مسار التسوية كونه بات مسدوداً، وأغلقت الأبواب في وجه الأخ أبو مازن، وهناك مساع من بعض الأطراف لتجاوزه، فالمنطق أن ذلك يدفعه لتغيير سياسته، والأردن كونه مستهدفا كذلك نأمل أن يضع عراقيل أمام ما يحاك على الأرض، كما أن هناك بعض المواقف العربية والإسلامية الجادة نستطيع أن نعمل معاً بقدرة أكبر وهامش مناورة أوسع، إلى جانب الاستناد إلى خياراتنا الذاتية وقدرة شعبنا وفصائله وشخصياته على العمل والنضال والمقاومة والتحرك في مختلف الميادين".
وأكمل قوله: " نعم واقعنا صعب وخياراتنا صعبة، لكن هناك متغيرات. السياسة الدولية متحركة وغير مستقرة وفي طور تشَكُل معادلات جديدة تحكمها، هذا يعطي بعض الفرص والثغرات. نحن أمام واقع إقليمي ودولي متحرك ومتغير، ومسؤوليتنا أن نتلمس طريقنا وندير الصراع في ظل هكذا متغيرات، ولكن بعقل وطني وليس بعقل حزبي، وبشراكة وطنية لا باجتهادات فردية من هذا الطرف أو ذاك".
ويقر مشعل أن هناك من يريد من خلال المصالحة تحضير الساحة الفلسطينية تحت قيادة جديدة وللسير في صفقة القرن. وحماس تعي ذلك، ولن تقبل بشيء منه، لكنها معنية بالمضي في خيار المصالحة الوطنية من حيث المبدأ، أولاً، ثم انطلاقاً كذلك من حرصها على خلق واقع فلسطيني داخلي تعالج فيه أزمات ومعاناة شعبنا خاصة في قطاع غزة، وكذلك في الضفة. علماً أن قرار ترمب في ظل استهدافه لنا جميعاً وفي قلب قضيتنا (القدس)، وفر لنا فرصة مهمة لإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الإقليمي والدولي، وأخرج مسار المصالحة من لحظة انسداد أو تعثر كانت محتملة.
خيارات عباس
وتساءل الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن في مداخلة له قائلا: "الرئيس عباس أمام تحدٍ كبير واعتقد أنه أمام ثلاثة خيارات الأول التساوق مع المشروع الأمريكي، والثاني ان يستقيل ويترك الكلمة للشارع، أما الثالث التوافق وطنيا مع الفصائل، والسؤال هنا: من خلال تقييمك للحالة، إلى أي اتجاه ممكن ان يسير عباس مع الأخذ بعين الاعتبار ان هناك موقفا عربيا ونظام لا يستطيع ان ينفلت من عقاله وان يغرد خارج سربه؟"
ورداً على السؤال، قال رئيس المكتب السياسي السابق لحماس: "ظني أن الرئيس عباس لن يذهب للخيار الأول، وآمل ذلك، ولن يتماهى مع الموقف الأمريكي. بعض العرب يشجعوه على ذلك، لكن الموقف العربي بمجمله ليس كذلك، وبالتالي أبو مازن ليس مضطرا للقبول بالأمر الواقع الذي هو دون موقفه المعروف بكثير، علاوة على أنه مستهدف في الأصل كما أشرنا من قبل".
وتابع "الخيار الثاني الاستقالة لا ضرورة لها وليست مطلوبة، فنحن في غنىً عن أزمة جديدة في الساحة الفلسطينية. أما الخيار الثالث فهو الوحيد الذي أمامه وأرجو أن يمضي فيه ويبادر إليه سريعاً".
واستكمالا للحوار تساءل محيسن قائلا: "حركة حماس كحركة وطنية تتصدر المشهد في تحريك الحالة، فما هو متوفر لديكم من إمكانيات لوضع كوابح أمام أي حالة انحراف للسياسة الرسمية باتجاه يتعارض مع القناعات الوطنية؟"، فرد مشعل: "حركة حماس جزء أساسي من الحركة الوطنية، وما تملكه الحركة أنها مستعدة للتضحية وعندها القدرة أن تكون جزءاً كبيراً وفاعلاً من حركة الشارع في الداخل والخارج، ولديها خيار المقاومة وأدواتها ومستعدة أن تعمل به وفق توافق وطني، كما أن كلمتها مسموعة في العمق العربي والإسلامي، كل هذه الخيارات والإمكانات نوظفها في هذه المرحلة الصعبة بما يحفظ حقوق شعبنا ويحصن مساره الوطني".
المشاركة بالمجلس المركزي
بدوره، طرح المحلل والكاتب د. حسام الدجني سؤالًا حول اجتماع المجلس المركزي وإمكانية مشاركة حماس فيه، وشروطها لذلك، فأجاب مشعل بقوله: "أؤمن أن السياسة هي فن الممكن، وهي كذلك فن استخدام المقادير وفرز الألوان بدقة، ولابد من دعوة لتشاورٍ فلسطيني واسع في الداخل والخارج. بالنسبة لاجتماع المجلس المركزي، اعتقد أن إخواني في قيادة الحركة مفتوحون على جميع الخطوات الإيجابية وهم يقررون ذلك ويستطيعون التعبير عن موقفهم"، مضيفا "وأنا مع اجتماع الكل الفلسطيني لأخذ خيارات أكثر جرأة وأعلى سقفًا".
وتعليقاً على تساؤل الكاتب والمحلل السياسي اياد الشوربجي عن تصورات حماس حول المطلوب لفرملة التطبيع العربي باتجاه الاحتلال الإسرائيلي وكيفية استثمار قضية القدس في هذا السياق، قال مشعل: "لن نسمح لأي طرف أيا كان عربيا أو دوليا أن تكون القضية كيسًا لتسديد فواتيرهم وخدمة أجنداتهم.. لن نتساهل في هذا الموقف حتى لو تركنا وحدنا في الميدان، مع ثقتي أن أصحاب المحاولات هم قلة وليسوا أكثرية"، وتابع "الموقف الفلسطيني مهم خاصة أن البعض العربي يريد تغطية خطيئته بغطاء فلسطيني، وعلينا كشف من يريد أن يتغطى بنا لأي تنازل".
الإنشغال العربي
وخاطب المختص بالشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر مشعل بقوله: "اغبطكم على التفاؤل الدائم، لكن يتملكنا احباط عز نظيره اليوم.. القدس مثلت ذروة التحدي ومر أسبوع على الحدث ويبدو أن الأمور يمكن استيعابها في ظل عدم وجود قيادة متوافقة.. الحراك القائم قد لا يشكل كابحا، وحتى اليوم لم تجتمع القيادة ولا الحكومة، وبينما يجب التركيز اليوم على القدس فإن المواطن في غزة يبحث عن الراتب، وحماس في وضع لا تحسد عليه، لذلك هل حماس عليها أن تكتفي بالاتصالات والتحرك السياسي؟".
مشعل أشار إلى أن هذا الواقع صعب بالفعل ولا أحد يماري فيه. "لكن القيادات دائما لا تكتفي بقراءة الواقع وصعوباته بل تبحث عن الأمل، وتصنع من الفرصة القليلة مسارا كبيرا"، ومضى يقول: "كل الصعوبات التي تدعو للتشاؤم اعلم انها موجودة، وخطوة ترمب جاءت في ظل استقراء مسبق لدى الأمريكان والاحتلال، وراهنوا على محدودية رد الفعل المتوقع وأن هناك من سيعمل على ضبط وعقلنة مواقف الدول وحركة الشارع".
وأضاف "أعلم ان غزة لا تلام اليوم على التركيز على حل أزماتها الضاغطة، لكن القضية حاضرة لديها على الدوام. نحن لا نتوهم في قراءة الواقع، ونعرف صعوباته، ونحن نؤمن بضرورة قراءة الواقع كما هو دون مبالغة أو خديعة لأنفسنا والآخرين، لكن علينا دائماً أن نصنع بكل ما هو متاح مسارات عمل حقيقية ولا نستسلم للواقع وصعوباته".
وزاد مشعل قائلاً: "بحكم اطلاعي على المشهد العام الدولي والإقليمي أرى انه بوسعنا أن نفعل شيئا مؤثرا .. قد لا نستطيع ان نقضي على قرار ترمب بالضربة القاضية، لكن بتراكم الفعل وبمزيد من طول النفس نستطيع أن نجبرهم على ذلك". وقال: " في تجربة سابقة في الضفة الغربية كل التقديرات الإسرائيلية حينها عندما وضعوا البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى أن الواقع المقدسي منهك والعرب مشغولون في أنفسهم والقيادة الفلسطينية بلا خيارات قوية، وكان الاحتلال يظن أنه سيكتب السطر الأخير في المعركة على الأقصى، لكن شعبنا العظيم فاجأه على الأرض وأجبره على إزالة تلك البوابات".
العلاقة مع دمشق
وطرح الكاتب وسام عفيفة سؤالا حول رؤية حماس للعلاقات الإقليمية في ظل الوضع الراهن، مستفسراً عن إمكانية أن تصل حماس لدمشق في ظل إعادة التموضع، فأجاب مشعل قائلا: "منذ ان انطلقت حماس كانت حريصة على توسيع شبكة علاقتها الدولية والإقليمية، ودائما كان لها محددان في تلك العلاقات الأول أنها صاحبة قضية تريد حشد الجميع لها، والثاني أنها لا تتدخل في شؤون الدول، وفي ذات الوقت لا تتجاهل معاناة الشعوب ومشاعرهم تجاه ما يجري في المنطقة".
وأضاف "في مرحلة القيادة الجديدة للحركة أصبحت هناك ظروف تسمح بانفتاح وتطور أكبر مع بعض الدول في إطار تحشيد الأمة لصالح القضية ووفق السياسات والمحددات المعتمدة في الحركة. موضوع سوريا لا أظن أنه مطروح على أجندة الحركة في هذه الأيام حسب معلوماتي".
التوازن في العلاقات
وتساءل الصحفي محمود هنية عن قدرة حماس على جمع المتناقضات في علاقاتها، وهل يصح أن تعطي الحركة الاعتبار لعلاقتها مع دولة ما بنفس الدرجة مع دولة أخرى أقل تجاوباً معنا؟ فرد مشعل بقوله: "إن التوزان في العلاقات ضروري بصورة عامة، وأن تحرص على دور الجميع وتحشد الجميع ولا تدخل في صراع مع أحد، لكن لا يعني التوازن أن تدير علاقتك مع الجميع بنفس الدرجة والمستوى، فالتوازن لا يعني التساوي، فكل دولة بقدر ما تقترب منك أنت تقترب منها".
بدائل المصالحة
وفي مداخلة للصحفية شيماء مرزوق، ذكرت أن عقلية أبو مازن وسياساته واضحة، وأنه لا يؤمن بالشراكة داخل حركة فتح نفسها، فكيف سيؤمن بها مع حماس، مضيفة "لا نتوقع أن ينهي حياته مثل أبو عمار"، وعلق مشعل على سؤالها بالقول: "أؤمن بالواقعية الأصيلة المنضبطة بالثوابت والحقوق، ومن ذلك أننا حين نكون في بيت واحد فإن علينا أن نتعامل مع الجميع داخل هذا البيت، نحن شركاء هذا الوطن الواحد، ولا يسعنا أن ندير ظهرنا لبعضنا البعض، ولابد أن نجتهد في البحث عن صيغ للشراكة الوطنية وإدارة الخلاف". وتساءلت الزميلة مرزوق عن بدائل فشل المصالحة لدى حركة حماس، فأجاب مشعل: "هذا سؤال صعب، لكن لا بديل عن المصالحة إلا المصالحة، الخطوة التي قامت بها الحركة كبيرة، ربما قرأها البعض بصورة سلبية، لكن لابد أن نبقى في محاولاتنا واجتهاداتنا لإنجاز المصالحة وطي صفحة الانقسام، وإذا فشلت محاولة نبحث عن أخرى، فلا أحد في الساحة الفلسطينية يستطيع إلغاء الآخر، ولا يصح ذلك وطنياً، لذلك فإن الخيار الوحيد هو التعايش وإيجاد صيغ من التفاهم والعمل الوطني المشترك".