نقل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال، الفلسطينيين إلى مرحلة من التصعيد والصراع مع المحتل على كل المستويات الشعبية والفصائلية والرسمية، فقد وجه القرار ضربة قوية لمشروع حل الدولتين الذي ما زال العالم يتمسك به لإنهاء الصراع الدائر في الأراضي الفلسطينية.
كما أن القرار الذي جاء مفاجئا لكل أقطاب عملية التسوية في المنطقة ودون أي تمهيد يعكس مدى استخفاف الإدارة الأمريكية بتلك الأطراف، التي كانت تتوقع منها أن تبلور خطة تسمح بدخول الطرفين في عملية تسوية، قبل أن يقضي القرار على أفق التسوية.
وبعد ثلاثة أسابيع تقريباً من الإعلان الأمريكي تشير المعطيات أن القرار الذي شكل سابقة وصدمة على الصعيد الدولي، ساهم في تحقيق خمسة فوائد للطرف الفلسطيني، وهي:
الأول: أعاد القرار القضية الفلسطينية لصدارة الاهتمام الدولي والإقليمي، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي خاصة بعدما أثار غضبا شعبيا عارما ضده، وهو ما ترجم من خلال المسيرات الغاضبة التي اجتاحت عواصم العالم، إلى جانب الرفض الدولي الرسمي للقرار واعتبار أنه يقوض فرص السلام في منطقة الشرق الأوسط ويهدد باشتعال الأوضاع فيها.
الثاني: شكل القرار عزلة حقيقية على المستوى الدولي للولايات المتحدة والتي لأول مرة تجد نفسها وحيدة في مواجهة الغالبية العظمى من المجتمع الدولي الرافض لقرارها وهو ما ترجم بالفعل من خلال التصويت على رفض القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتصويت 128 من الأعضاء لصالح القرار، في مقابل تسعة دول رفضته، وهي سابقة مهمة رغم التهديدات الأمريكية.
الثالث: قضى القرار الأميركي على مشروع التسوية الذي استمر يراوح مكانه على مدار عقدين من الزمن، كما يعتبر إعلان فشل للمفاوضات، حيث قصر هذا الإعلان المسافات أمام الفلسطينيين ووفر عليهم المزيد من سنوات الضياع في متاهات التسوية.
الرابع: وحد الجبهة الأوروبية ضد السياسة الأمريكية خاصة في الملف الفلسطيني، فالاتحاد الأوروبي مهتم جداً بالمحافظة على ما تبقى من اتفاق أوسلو وتحديداً السلطة الفلسطينية التي ينظر إليها على أنها أحد أهم مرتكزات الهدوء والاستقرار في المنطقة وإعلان ترمب من شأنه أن يضعفها وإذا ما تدهورت الأوضاع الأمنية قد ينتهي وجودها تماماً.
كما أن قرار ترمب شكل خروج عن الإجماع الدولي اتجاه القضية الفلسطينية، وهو ما أثار غضب الأوروبيين، خاصة أن ترمب تجاهلهم من خلال هذه الخطوة، وقدم لـ(إسرائيل) كل شيء دون أي مقابل وبالتالي أضعف أي فرصة للضغط على (إسرائيل) في عملية تسوية قادمة.
الخامس: أحرج أصحاب مشروع التطبيع وتحديداً الدول العربية التي أجبرت على رفض الإعلان حتى وإن كان الرفض باهت من بعضها، كما صوتت لصالح الفلسطينيين في الأمم المتحدة، رغم أن بعضها يفضل المحافظة على العلاقات مع الولايات المتحدة على دعم الحقوق الفلسطينية، إلا أن الحشد الدولي الواسع لصالح القضية الفلسطينية أحرجهم.