كشف موقع (ويكيليكس) في منتصف شهر أغسطس الماضي عن مراسلات سرية للخارجية السعودية تؤكّد على علاقاتها التاريخية والتطبيعية مع الكيان الإسرائيلي والتي تعززت من خلال صفقات اقتصادية ثم زيارات سرية والتي كان أبرزها زيارة اللواء السابق أنور عشقي الى الكيان الصهيوني في 2016 حتى لحقتها أحاديث عن زيارة سرية لولي العهد محمد بن سلمان شخصياً.
ومع بداية هذا الشهر وصل وفد بحريني مؤلف من 24 شخصاً، وجميعهم من ناشطي جمعية "هذه هي البحرين"، في زيارة إلى (إسرائيل) استغرقت أربعة أيام وصفتها دولة الاحتلال بأنها "تاريخية" كونها جاءت بشكل علني.
وفي مقال سابق له تحدث الدكتور عدنان أبو عامر عن شواهد التطبيع العربي، لافتا إلى ظهور ذلك جليا في مفرداتهم السياسية والثقافية، وبأن الخطاب العربي بات يتحدث عن إعادة الانتشار، بدلاً من الانسحاب أو جلاء الاحتلال، ووقف الاستيطان بدلا من إزالته، بالإضافة إلى أن الخطاب العربي لم يعد يستخدم كلمة العدو الصهيوني.
ولفت أبو عامر في مقاله إلى التغيير في التعاطي العربي مع الحالة الثقافية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، "فقد تراجعت عملية الإبداع الفلسطيني هناك من حيث الإنتاج، في المجالات الأدبية، الشعر، الرواية، المسرح...الخ، للدرجة التي توقف فيها إنتاج الأغاني الثورية التي تمجد الوطن والنضال، وتحفز روح المقاومة".
وقد شدد أبو عامر على أن الهدف من كل ذلك هو غزو وتدمير قلعة الدفاع عن روح الأمة وحراس أحلامها، وحملة رسالتها، وهم المثقفون، والمفكرون، وكسبهم، إن أمكن، من خلال الحوار معهم، وإقناعهم بصورة (الإسرائيلي) الطيب، على حد تعبيره.
فهل يمكن أن نعتبر عام 2017 هو عام التطبيع العربي الإسرائيلي وخاصة الخليجي، وهل نجحت فعلا السياسات العربية بتأهيل شعوبها لتقبل هذا التطبيع؟!
جس نبض
ولعل زيارة الوفد البحريني لمدينة القدس المحتلة عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن المدينة كعاصمة للاحتلال بالون اختبار أطلقته أطراف خليجية في محاولة لجس نبض شعوبها تجاه الإعلان عن التطبيع مع (إسرائيل).
ويؤكد المحلل السياسي الدكتور علاء أبو عامر على ذلك الأمر في مقابلة مع "الرسالة"، مبيناً أن هذا العام يمكن أن يوصف بأنه عام التمهيد للتطبيع الكامل خلال العام القادم، لافتا إلى أن التحولات الثقافية في الدول الخليجية تشير الى ذلك التسارع الذي يظهر جلياً في تعبيرات بعض الكتاب السعوديين ودعواتهم على تويتر، مشدداً على أن الأمر بات جلياً وإن لم يكن رسمياً، منوها أن هذه المرحلة هي مرحلة التعبئة للرأي العام والتي ربما تسبق الإعلان الرسمي.
ويذكر بزيارة البحرين التي رغم اعتبارها دولة ضعيفة وقرارها ليس بيدها، وهي دولة تابعة للإمارات والسعودية، ولكنها وفق أبو عامر كانت تجربة ربما لتحذو السعودية حذوها مستقبلا، لافتاً إلى أن هذه الزيارة لم تقابل بالرفض المتوقع بالفعل من قبل الشارع الخليجي، مذكرا بأن المثقف الخليجي الآن بات يقود فعلياً حملة تأهيل للشعوب العربية عبر شبكات التواصل لتقبل فكرة التطبيع.
وتطرق أبو عامر في حديثه إلى ملفات مشتركة متجسدة بمناورات بين الامارات و(إسرائيل) وملفات سياسية مشتركة بالإضافة الى قمع وتضييق على فعاليات الجاليات الفلسطينية في الدول العربية خاصة الخليجية.
مناهضة التطبيع
وقد يرى البعض أن التطبيع على خطورته لم يكن وليد اللحظة، وبأن التاريخ العربي مليء بالتطبيع الذي بدأته الأردن ومصر، وهذا ما يراه الدكتور مازن قمصية وعضو اللجنة التوجيهية لمقاطعة (إسرائيل) أكاديمياً وثقافياً، مضيفاً أن حركة المقاطعة BDS"" تنمو السنة تلو السنة وهي الآن في أوج نموها، وهذا ما ساعد على كشف أمور التطبيع للإعلام أكثر، منوها إلى أن (إسرائيل) الآن في عزلة حقيقية وتصرف آلاف الدولارات على محاربة حركات المقاطعة.
ويضيف قمصية "هناك من يطبع في الخليج العربي، وهناك أيضا في الخليج من يحارب التطبيع"، مذكرا بموقف رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم وكلمته القوية في اجتماع دولي حينما انتقد الوفد الإسرائيلي ودعا لطرده كرد فعل على المطبعين، مؤكداً أن التطبيع يواجه حربا حقيقية من قبل حركات المقاطعة.
ويلفت قمصية أن الكلمة الآن للمقاومة بكل أشكالها، على حد تعبيره، بعدما قويت شوكة المقاومة ومنها حركات المقاطعة، مضيفاً أن كل الإجراءات العربية هي مقاومة لهذه المقاومة التي تقوى في الشرق الأوسط مع مرور الوقت"، منوها أن محور التطبيع والتخاذل في تراجع ملحوظ، لأن الكلمة ستكون للمقاومة في 2018.
وتؤيد الناشطة في مناهضة التطبيع ماجدة المصري تفاؤل قمصية، حيث تؤكد أنه على الرغم من الجرأة العربية في الإعلان عن التطبيع إلا أنها جرأة مقتصرة على الخليج العربي، ورغم محاربة هذه الدول للحركات الثقافية والفنية التي تقف إلى جانب القضية الفلسطينية، أكدت المصري على أن هناك حركات ثقافية فنية لمناهضة التعبير في كثير من الدول العربية كتونس ولبنان، والأردن ومصر، منوهة أنها "لا ترى فرقا كبيرا في التطبيع بين 2017 والسنوات السابقة سوى في منطقة الخليج التي لم يتبقى لديها سوى الإعلان عنه بشكل رسمي".