تُعزز المعطيات الراهنة استمرار الجمود السياسي على صعيد القضية الفلسطينية في ظل انغلاق أفق التسوية، لاسيما بعد الانحياز الأمريكي السافر الذي تجلى بقرار الرئيس دونالد ترامب بإعلان مدينة القدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
السلطة وعلى لسان رئيسها محمود عباس أكدت أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد وسيطا نزيهاً في عملية "التسوية" بعد قرار ترمب بشأن القدس.
ويبدو أن البحث عن وسيط جديد للسير قدما في عملية التسوية يمثل مجرد ترقيع لها، ولن يكن مهمة سهلة في ظل الوضع الراهن وضرورة قبول الاحتلال به، خاصة وأن غالبية الدول الغربية التي يجري الحديث عنها مرتبطة بمصالح مشتركة مع دولة الاحتلال من جهة وبالإدارة الأمريكية من جهةٍ أخرى، لذا فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه.
ويرى مراقبون أن أزمة التسوية أزمة مشروع بأكمله وليست أزمة وسيط، معتبرين أنه لا يمكن أن يكون هناك تكرار لنفس الآليات فقط، وكأنّ المطلوب فقط تبديل الوسيط والعودة لنقطة الصفر.
وحسب الكاتب والمحلل السياسي الدكتور هاني البسوس فإنه من المستبعد العودة لمسار التسوية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية خلال عام 2018م.
ورجح خلال حديث "للرسالة"، أن يشهد العام الجديد مزيدًا من الخطوات التصعيدية (الإسرائيلية) ضد السلطة الفلسطينية، ومزيدا من بناء المستوطنات والتهويد لقطع الطريق على المطالبة بدولة فلسطينية على حدود 67.
ويؤكد البسوس أن (إسرائيل) غير معنية بأي تسوية مع الجانب الفلسطيني سواء بوسيط أو بغيره.
ويبدو أن الوضع الراهن يستلزم من السلطة إجراء مراجعة شاملة لمشروعها السياسي والتفكير بالمنطق الوطني بعيدا عن الحسابات والأجندات الخارجية، والعودة إلى الشعب السند الحقيقي لأي قرار حاسم بأي اتجاه.
ويعتبر محللون أنّ السلطة الفلسطينية خياراتها صعبة وضعيفة، لذا عليها الذهاب للتحلل من "عملية التسوية" عبر موقف فلسطيني موحد قد يكون كفيلا بمنح الفلسطينيين روافع دبلوماسية وسياسية لفرض وقائع جديدة.
وذكر البسوس أن السلطة تعيش وهم التسوية السياسية التي لم تعد قائمة وتبيع أوهام للشعب الفلسطيني.
وتشير المعطيات أن قرار ترمب وجه ضربة قاضية لكل مشاريع التسوية والمفاوضات التي تمت على أساس حل الدولتين، وهو ينسف البناء الذي بناه المجتمع الدولي بشأن الحل.
سوفي ذات السياق، يرى د. محمد الشرقاوي أستاذ تسوية النزاعات الدولية أن قرارُ ترامب دق المسمار الأخير في نعش محادثات التسوية واتفاق أوسلو، وحرَّر الفلسطينيين من وعد غير منجز من قبل وسيط سلام غير محايد.
ويعتبر في مقال له أن الفلسطينيين قرروا إيقاف اتصالاتهم مع حكومة ترمب ورفضوا مقابلة نائبه، مايك بنس، خلال زيارته التي كانت مقررة للمنطقة، وطووا بذلك صفحة الدور الأميركي في عملية السلام، وبدأ "البحث عن وسيط جديد.
الشرقاوي رأى أن سفراء السويد وبريطانيا وفرنسا وغيرهم في الأمم المتحدة يتمسكون بالالتزام الدولي بحل الدولتين على أساس أن تكون القدس الغربية عاصمة لدولة "إسرائيل" والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
وبناء على ما سبق يتوقع الشرقاوي أن وقوف ترمب في صف (إسرائيل)، يعزِّز احتمالًا واردًا بأن يتكئ الفلسطينيون على الأوروبيين لتولي قيادة محادثات التسوية في المستقبل.