ما زالت السلطة الفلسطينية تقوم بوظائفها الامنية على اكمل وجه مهما بلغت القرارات الامريكية او الصهيونية تجاه القدس.
فللسلطة مشروع سياسي ليس له علاقة بتحرير الارض بل بالاعتراف بكيان سياسي تحت العباءة الصهيونية بلا سيادة او سلاح او اقتصاد، فالمهم هو الالقاب والرموز والتمثيل في المحافل والمنظمات الدولية
السلطة بقيادة الرئيس عباس لم تحرف البوصلة فحسب بل عكست مسارها وسط صمت غير مبرر او قل رفض غير مؤثر من بقية القوى والفصائل.
والرئيس عباس حول نفسه من رئيس منظمة تحرر يقود نضال شعبه نحو التحرير والحرية إلى رئيس منظمة تلعب دور الوكيل للاحتلال وتقوم بالنيابة عنه بالتهدئة والضبط.
ثم حوّلت السلطة بكل أدواتها السياسية القضية الفلسطينية من قضية نضال شعب من أجل الحرية إلى قضية دبلوماسية في المحافل الدولية للحصول على مجرد اعتراف ليس له وزن على الأرض.
وحولت المناضلين من الصراع مع العدو إلى التنسيق والتفاهم معه.
لينتج في النهاية أرخص احتلال في التاريخ، احتلال دون مكاسب ودون أكلاف.
الأمر الذي أعطى كيان العدو شعورا مريحا بعدم الحاجة إلى عملية سلمية مع الفلسطينيين، و شجع الكيان للتوجه وبكل جسارة إلى حسم الصراع من جانب واحد، بعدما تبوأ المستوطنون مناصب رفيعة وأصبح الاستيطان أحد أركان مكونات الهوية الصهيونية .
ثالثة الأثافي بات يتمثل بالسعودية وهي أحد أكبر الدول العربية ، التي باتت ترى في إيران عدوا وترغب بالحرب عليه وتدميره حتى ولو بالتحالف مع كيان الاحتلال الصهيوني، حيث لم تعد حماية الشعب الفلسطيني وقضيته من الذوبان والانهيار على جدول أعمالها.
ترامب لم يكن ليتخذ قرارا كهذا لولا استجابة دول عربية كبرى في ما يسمى دول الاعتدال العربي، مثل السعودية ومصر والأردن.
الأمر الذي شجع ترامب وادارته على تجاهل إحراز أي تقدّم في حل القضية الفلسطينية بعدما باتت لا تشكل عائقا في إحراز سلام في الشرق الأوسط بين مختلف الدول العربية والاحتلال الصهيوني.
قرار ترامب باتجاه اهداء القدس للصهاينة يمثل تعاملا على المستوى الاستراتيجي مع قضية شعبنا الفلسطيني، ما يلزمنا كفلسطينيين شعب ومنظمات وفصائل التعامل معه بنفس المستوى وليس مجرد ردات فعل على شكل هبّات غضب أيا كان اسمها.
تعامل الكل الفلسطيني وعلى رأسهم السلطة مع قرار ترامب على المستوى الاستراتيجي ينبغي أن يأخذ طابع تفريغ هذا القرار من محتواه وجعله بلا قيمة لجهة إنتاج واقع جديد، لكن السؤال وبعد مرو ثلاثة اسابيع على هذا القرار الفاجعة هل يوجد لدى السلطة بواقعها الحالي نية لذلك.
يبدوا أن السلطة ليست في وارد خلق واقع نضالي رادع، لأن استمرار وجود السلطة بحد ذاته تحول برجالاتها الحاليين من وسيلة نحو التحرر إلى هدف بحد ذاته، فيما باتت مصلحة الشعب والقضية في ذيل اهتماماتها.
فجميع قرارات السلطة السياسية والأمنية على الأرض تسير باتجاه ضبط الشارع، والحفاظ على منسوبٍ معين من الغضب وتحت السيطرة ، للعودة دون صعوبات إلى ما قبل قرار ترامب لتسير الحياة بروتينيتها المعتادة.
حتى النضال الدبلوماسي الذي تدعيه السلطة لم يكن حقيقيا، فقد ساهمت السلطة وبسابق إصرار في خسارة الشعب الفلسطيني قرار ملزم من مجلس الأمن في اجتماعه الأخير تجاه قرار ترامب، عوضا عن الحديث عن "الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة" ما يعني أن السلطة غير معنية بتطوير بدائل حقيقية في المواجهة مع العدو.
وهذا كان نتيجة ذهاب السلطة باتجاه التعاون مع الفريق الأميركي –السعودي- المصري الذي طبخ البيان بهذه الصيغة العامة.
حتى أن السلطة لم ترى في قرار ترامب مبررا لإقناع الرئيس عباس بالدعوة إلى لقاء وطني جامع يضم حماس والجهاد الاسلامي للخروج باستراتيجية وطنية توازي خطورة المرحلة، واكتفت بالدعوة لاجتماع أعضاء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة المركزية لحركة فتح، وقادة الأجهزة الأمنية وأمناء عامين لفصائل.
وأبقت السلطة وبشكل لا علاقة له بأدنى أنواع الوطنية ودرجاتها على العقوبات والحصار الغير منطقي المفروض على قطاع غزة، رغم انتفاش بالون المصالحة.
وعوضا عن اعلان منظمة التحرير التي يقودها عباس الانسحاب من ما يسمى بالعملية السلمية، ذهب باتجاه مزيد من التيه والسراب بحثا عن مرجعية جديدة لهذا التيه الذي تقوده السلطة منذ اوسلو.
و السؤال الذي يطرح نفسه: أين دور القوى والفصائل مما يجري، وأين موقفها من تخاذل السلطة، وهل أصابها ما أصاب السلطة، بحيث أصبح بقاء الحزب أو الفصيل هدف وغاية عوضا ان يكون مركبا نحو الحرية..!!.
فلا هي شكلت قيادة موحدة للنضال الفلسطيني، ولا هي قسمت ساحات الصراع على مجموعات عمل قيادية، ولا هي استنفرت طاقاتها للنهوض الثوري في كل ساحات التواجد الفلسطيني خصوصا داخل اراضي 48، ولا هي نظمت مؤتمر وطني جامع لتجاوز كل مرحلة ما بعد اوسلو بما فيها السلطة المرتهنة لاتفاقات تضمن بقائها عبئا وأداة من أدوات الاحتلال.
لتبقى فلسطين والقدس ضائعة حزينة وسط مجموعة من العجزة في السلطة وفي الفصائل وفي الدول العربية الهرمة.