ترتجف يداه وهو يُحكم القبضة على "رافعة الأثقال" التي رسمت تشققات كفة يداه، بعد أن اعتاد رفع الأثقال بشكل يومي على مدار نصف قرن.
ومع تصبب العرق من جبين محمد النبيه "أبو أحمد" يبدأ الرجل الذي تجاوز عمره الستين عاما بشكل تدريجي رفع الأثقال أمام احدى المرايا التي اعتاد الوقوف مقابلها عند كل تمارين اللياقة الخاصة به كل صباح.
بين جدران نادي ستار جيم لكمال الأجسام بمدينة غزة يحاول النبيه الحفاظ على لياقة جسمه وتنمية عضلاته التي بناها على مدار خمسين عاما، حصد خلالها العديد من البطولات على مستوى فلسطين.
وعلى حين غرة قطعت "الرسالة" أحد التمارين التي يمارسها الرجل الذي اجتاح الشيب رأسه، لتسترجع معه العقود الماضية عندما كان لا يتجاوز الاثني عشر عاما والتحق بنادي العودة الرياضي في غزة عام 1969 منذ نعومة أظافره.
"عشقت رياضة كمال الأجسام منذ صغري وكان لدي شغف كبير بالعديد من النجوم الرياضيين آنذاك حتى عقدت العزم بخوض تلك التجربة، فقد كان لدي هوس في بناء عضلات كبيرة وجسم قوي" يقول النبيه.
وبعد 7 أعوام من التدريب المتواصل استطاع "أبو أحمد" الحصول على عضوية نادي غزة الرياضي وافتتاح أول ناد لكمال الأجسام بالتعاون مع الجمعية الإسلامية بغزة بدأ من خلاله الاشراف والتدريب.
ويُقلّب الرجل عريض المنكبين عشرات الشهادات التي يحتفظ بها مستذكرا من خلالها ريعان شبابه وهو يحمل المئات من الكيلوات من الحديد في مشهد تُوج فيه بطلا لرفع الأثقال على مدار عدة سنوات.
ومع بداية ثمانينيات القرن الماضي انتقل لمدينة القدس للعمل مدربا في نادي الهلال المقدسي حصل خلالها على بطولة الهلال بكمال الأجسام عندما تمكن من رفع 180 كيلو متفوقا على 15 مشاركا في المنافسة في ذلك الوقت.
ومن رفع الأثقال إلى الحصول على بطولة الجمباز والجري في الأولمبياد الفلسطينية التي عُقدت في قطاع غزة بعد إنشاء السلطة الفلسطينية، شكّلت تلك محطات فارقة في حياة النبيه الذي كرّمه الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وصعودا نحو العالمية كان الرجل صاحب البشرة البيضاء حاضرا في احدى البطولات العربية التي عقدت نهاية عام 1999 في استاد القاهرة الدولي وحصل خلالها على شهادة من الاتحاد العربي للرياضة.
وبين ثنايا وزارة الشباب والرياضة والعديد من الأندية واصل النبيه هوايته ليلقب بـ "ختيار المدربين" بعد أن أصبح علما في عالم رياضة كمال الأجسام بغزة.
ويقارن الأجهزة القديمة بالحديثة قائلا: "أجهزة رفع الأثقال الحديثة أفضل بكثير من القديمة التي كنا نصنعها يدويا، اليوم الجهاز يساعدك بشكل كبير على أداء التمارين بكل سلاسة".
ويفضّل الرجل الذي سادت التجاعيد وجهه الالتزام ببرنامجه الغذائي منذ سنوات؛ لمساعدته في تمارينه اليومية التي يبدأ بها يومه كل صباح، معتبرا أن العديد من رياضيي اليوم يسارعون إلى تناول الإبر والحبوب "لنفخ أجسادهم" وهي ما تتسبب لهم بالضرر والأمراض على المدى البعيد.
"باب النجار مخلع" بهذا المثل الشعبي رد علينا الرجل الذي أنجب 3 من الأبناء، عندما سألناه عن نيته توريث هذه المهنة لهم، قائلا بابتسامة "لم أعلم أحدا منهم هذه الرياضة، لكني سأورثهم مئات الكيلوات من الحديد الذي يحتل جزءا كبيرا من منزلي".
أنهى الستيني النبيه حديثه، وعاود ربط الحزام العريض على وسطه ليكمل تمارينه بكل نشاط، وسط دهشة الكثيرين حوله، قبل أن تغادر "الرسالة" المكان.