"الدرونز"... لغز في سماء قاعدة حميميم الروسية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

دمشق - الرسالة نت

"القوات الروسية في سورية ليست آمنة"، هي الرسالة الواضحة لاستهداف قاعدة حميميم، التي تعرضت منذ الساعات الأخيرة في عام 2017، وحتى مساء السبت الماضي 6 يناير/كانون الثاني الحالي، لهجماتٍ نوعيةٍ غير مسبوقة، في الأدوات والتقنيات المُستخدمة، والأثر الذي أحدثته، وردود الأفعال المُستمرة عقب ذلك، وكثرة التخمينات المُستنبطة من قاعدة "البحث عن المستفيد".

في هذا السياق، واستناداً إلى المصادر الرسمية والمعلومات المؤكدة، فإنه "بعد غروب شمس الأحد 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أردى القصفُ الذي تعرضت له قاعدة حميميم، عسكريين روسيين اثنين، وذلك بحسب تأكيدٍ رسمي من قيادة القاعدة. غير أنه لم يتم الكشف عنها وقت حدوثها، بل إن تأكيد خبر مقتل العسكرييَن، صدر أساساً ضمن إعلانٍ رسميٍ لـ"قاعدة حميميم" ووزارة الدفاع الروسية في 4 يناير الحالي، في إطار نفي ما اعتُبر بأنها "ادّعاءات صحيفة كوميرسانت (الروسية) بشأن تدمير 7 طائرات حربية روسية". أي أن تقرير الصحيفة الروسية، الذي جاء فيه بأن "سبع طائرات حربية روسية تم تدميرها بهجومٍ هو الأشرس من نوعه على القاعدة الروسية في اللاذقية"، أجبر وزارة الدفاع في موسكو بعد أربعة أيامٍ من الهجوم الذي تكتمت عنه، على الإقرار به، عبر "توضيح" ملابساته، بالقول إن "تدمير سبع طائرات حربية خبر زائف، ولكن قاعدة حميميم، تعرضت فعلاً لهجومٍ مفاجئ بقذائف صاروخية نفذته مجموعات تخريبية متنقلة وأدى لمقتل عسكريين اثنين".

وما بين يوم الهجوم المذكور وساعة الإقرار به بعد حدوثه بأربعة أيام، كشفت قاعدة حميميم في الثاني من يناير الحالي، عن تعرّضها لـ"هجماتٍ إلكترونية خلال الساعات العشر السابقة من قبل مجموعتين على الأقل. وتمكن فريق الحماية الإلكتروني من التصدي للمحاولتين، وتحديد موقع انطلاق الهجمات وهي من داخل الأراضي السورية".

تلا ذلك بيوم واحد، أي ظهر الثالث من يناير، تأكيد القوات الروسية في حميميم عن تحطم مروحية عسكرية روسية قبل ثلاثة أيام (أي يوم 31 ديسمبر) من طراز "مي ـ 24"، ومقتل طياريها على بعد 15 كيلومتراً من مطار حماة العسكري، وذلك بسبب "عطل فني" بحسب الإعلان الرسمي، الذي أضاف بأن عسكرياً روسياً كان على متن الطائرة أصيب، وتم نقله للعلاج في حميميم.

لاحقاً، وفي 4 يناير، أي في اليوم الذي أقرّت وزارة الدفاع الروسية، تعرّض حميميم لقصف بقذائف صاروخية، ذكرت القاعدة الروسية في اللاذقية، مساءً، بأن "قوات دفاعها الجوي دمّرت طائرتين بلا طيار، كانتا تلقيان قنابل على مناطق سكنية في جبلة والقرداحة، اللتين تقعان بالقرب من المطار العسكري (حميميم)". بالتالي ظهرت للمرة الأولى، تأكيداتٌ رسمية روسية، عن استخدام عسكريٍ لهذه الطائرات الصغيرة المُسيرة (الدرون) ضد أهدافٍ بمحيط تواجد القوات الروسية في مناطق الساحل السوري.

بالتزامن مع كل الهجمات والوقائع في القاعدة الروسية جنوب مدينة اللاذقية، وبينما كانت جبهتا حرستا بريف دمشق، وسنجار-أبو الظهور جنوب شرقي إدلب شمالي البلاد، تشهدان أشرس المعارك التي مُنيت قوات النظام والمليشيات المُساندة لها بخسائر كبيرة في أولها، وأحرزت تقدماً سريعاً في الأخرى ضد مجموعة فصائل عسكرية، بدأت الأنباء تتوارد مساء السبت 6 يناير، من ناشطين محليين في محافظة اللاذقية، عن سماع أصوات انفجاراتٍ ومشاهدة نيران مضاداتٍ أرضية من قاعدة حميميم، قبل أن تُبثّ على الإنترنت، مشاهد ليلية مصورة، سُمعت خلالها أصواتُ رشقات أسلحة رشاشة، وظهرت نيرانها في الفيديو المنشور.

إثر ذلك سارعت القاعدة الروسية إلى الإعلان عند الساعة 8.50 مساء السبت، بأن "التطورات الأمنية في أجواء قاعدة حميميم العسكرية، ناتجة عن وجود تهديدٍ من أجسام معادية يجري التعامل معها"، مضيفة بأن "التجاوزات الأمنية على منطقة حميميم العسكرية، سيدفع مرتكبوها ثمناً باهظاً على ارتكابهم لهذه الحماقات غير المبررة"، من دون تحديد هوية النيران المُهاجمة أو مصدر انطلاقها.

المصادر الرسمية الروسية، وسلسلة التصريحات والتقارير الصادرة في موسكو منذ يوم الهجوم حتى مساء الثلاثاء الماضي، تحدثت عن 13 طائرة "درون"، هاجمت القوات الروسية بتوقيتٍ متزامنٍ مساء السبت. كما أفاد أول بيانٍ لوزارة الدفاع الروسية بعد الهجوم، بأن "وسائط الدفاع الجوي الروسية رصدت مع حلول ظلام الليلة الماضية وعلى مسافة بعيدة عن حميميم، 13 هدفاً جوياً مجهولة الهوية، كانت تقترب من أجواء المواقع الروسية في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية شمال غربي سورية"، مضيفة أن "عشرة أهداف اتجهت نحو حميميم، فيما تابعت ثلاثة تحليقها باتجاه طرطوس، استهدفتها وسائط الدفاع الجوي الروسية وصدتها جميعها". وتم بحسب الروس، إسقاط سبعةٍ منها، وإنزال ستةٍ عبر التشويش عليها أو اختراق تحكمها.

 

كما نشرت صفحات حميميم الرسمية على الانترنت، صوراً لما وصفته بأنه "من حطام الدرونز المهاجمة"، بينما بدأت تصريحات مسؤولين روس، بالتحدث عن "مهاجمين حصلوا على تقنياتٍ هندسية من إحدى الدول في الهجوم النوعي غير المسبوق ليلة السادس من يناير"، وذلك في الوقت الذي قال فيه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أدريان رينكين غيلوي يوم الإثنين الماضي، أن "الطائرات المسيّرة والتقنيات التي استخدمت في الهجوم على حميميم يمكن الحصول عليها بسهولة في الأسواق".

لكن رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس الاتحاد الروسي فرانس كلينتسيفيتش، ذكر لاحقاً بأنه "ما كان للإرهابيين أن يهاجموا المواقع الروسية بالدرونز بمعزل عن دعم استخباري ومالي وتقني، فضلاً عن المكونات المطلوبة لتسيير هذه الطائرات"، بينما ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيانٍ آخرٍ لها حول الهجوم، بأن "الإرهابيين وللمرة الأولى، استخدموا بشكل مكثف أجهزة طيارة مسيّرة أطلقت من مسافة 50 كيلومتراً عن مواقعنا معتمدة على تكنولوجيا متطورة تعمل بواسطة جي بي أس أميركية. كما أظهر الفحص أن جميع الدرونز كانت مزودة بأجهزة استشعار حرارية وأجهزة تحكم تحدد مسارها وارتفاعها، وكانت على اتصال بالجهة التي تسيّرها، وجميعها أطلقت في آن واحد بعدما حُمّلت بعبوات متفجرة مزودة بصواعق أجنبية. الأمر الذي يدعنا نجزم بأن المسلحين لم يحصلوا على هذه الحلول الهندسية إلا من إحدى الدول".

مع العلم أن أنواع الدرونز، أو الطائرات الصغيرة المُسيرة من دون طيار كثيرة، وهي أساساً مُعدّة لأغراض التصوير، وقد استخدمت جماعات مسلحة كثيرة في سورية، سواء من جانب قوات النظام أو المليشيات المساندة لها، أو من جانب الفصائل التي تقاتلها، وكذلك تنظيم "داعش" الدرونز لأغراض الاستطلاع، أو كشف ما وراء خطوط العدو الأولى، وتمَ تطويرها لتحمل عبواتٍ صغيرة خفيفة الوزن، محشوة بمواد متفجرة. ولاقى استخدام هذه الطائرات المُسيرة، المزودة بكاميرا أو أكثر، ويمكن التحكم بها عن بعد، رواجاً كسلاحٍ في المعارك من قبل مختلف الأطراف في سورية.

وطائرات الدرونز نوعان: مروحيٌّ، ومجنّحٌ. بالنسبة للمروحية، فإن أكثر أنواعها شيوعاً، هي المزوّدة بأربع مراوح وسطية (يُمكن أن يكون العدد أقل أو أكثر)، وبكاميرا أو أكثر، ويتم التحكم بها لمسافة تُقدر كحد أقصى بأقل من خمسة كيلومترات، لكن تجارب تطويرها، جعل إمكانية تسييرها لمسافات أطول مُمكنة، عن طريق برمجةٍ ذاتية مرتبطة بنظام تحديد المواقع العالمي "جي بي أس".

وتختلف قدرة مروحية الدرون على التحليق بحسب وزنها ونوع البطارية المزودة بها، فكلما زادت المراوح بـ"الدرون" تحسنت إمكانية أن يتم تحميلها بوزن أكبر، والتحليق لارتفاع أعلى، بحسب قدرة البطارية. ويصعب تطوير هذا النوع لحمل أكثر من 2.5 كيلوغرام، أو التحليق على ارتفاع بين اثنين إلى ثلاثة كيلومترات. وكلما زاد الوزن وامتدت مسافة التحليق، كلما قلّت القدرة على التحكم بـ"الدرون"، وتضاءلت القدرة على قطع مسافات كبيرة.

 

البث المباشر