على مبدأ "الجميع يجب أن يكون في بيت الطاعة" يتعامل الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الكل الفلسطيني الذي لا يرى فيهم إلا نفسه وجزءًا من حركته، ومن هذا المنطلق كان غضبه الكبير على رفض حركتي حماس والجهاد المشاركة في اجتماع المجلس المركزي الذي عقد يومي الأحد والاثنين الماضيين.
الخطاب الذي ترجم غضب أبو مازن تخلله أيضًا مهاجمة الحركتين حيناً والتهكم عليهما حيناً آخر، كما عكس حجم الاستخفاف الذي يتعامل به الرجل مع شعبه بكل مكوناته حتى أعضاء حركة فتح وباقي فصائل المنظمة الذين يفترض أنهم شركاؤه والذين حضروا الاجتماع.
الاستخفاف والديكتاتورية دفعتا أبا مازن إلى أن يقلب الطاولة على غزة وحركة حماس تلك التي لم يجرؤ أن يقلبها في وجه الجانبين الأميركي والإسرائيلي حينما أخرجا القدس من دائرة الصراع وضماها لدولة الاحتلال.
وعلى قاعدة "من لم يطلب الرضى سينال العقوبة" يوعز عباس لحكومته برئاسة رامي الحمدلله بأن تشن هجوماً لاذعاً خلال اجتماعها الأسبوعي الذي جاء بعد يوم واحد من اجتماع المركزي حيث خرج البيان صارخاً واتهم حركة حماس بالابتزاز وفرض الإتاوات والكذب.
كما اتهمت الحكومة حماس بمواصلة "ابتزاز الحكومة وسرقة أموال الشعب، غير آبهة بمعاناة سكان قطاع غزة"، في حين ترفض اعتبار ما تفرضه الحكومة على القطاع من خصومات طالت الرواتب والكهرباء والعلاج والتحويلات الطبية بالعقوبات وإنما هي "إجراءات" لتصويب الوضع في القطاع، وهنا تغمض الحكومة عينها عن معاناة المواطنين الذين أثرت تلك العقوبات على كل مناحي حياتهم.
وقد تعكس هذه الهجمة التوجهات القادمة لدى السلطة الفلسطينية نحو مزيد من التشديد ضد القطاع على أكثر من صعيد:
الأول: تعطيل المصالحة من خلال اغراقها في دوامة التمكين التي بات من الواضح أنها شماعة يستخدمها أبو مازن لإذلال وإخضاع مواطني قطاع غزة ومعهم باقي الفصائل، فما زال يعتبر أن تعذيب الناس وتجويعهم أدوات سياسية بيده.
الثاني: اتخاذ مزيد من الإجراءات العقابية ضد غزة وقد ترجمت أولى تلك الإجراءات عبر إقرار الحكومة إجراءات جديدة لتعطيل إجراءات تصدير واستيراد المنتجات الزراعية في غزة.
ومن المتوقع أن يؤثر هذا القرار على القطاع الزراعي برمته وتكبده خسائر فادحة تؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي الجاري في القطاع.
الثالث: مزيد من المماطلة والتصلب اتجاه قضية موظفي حكومة غزة فمن المتوقع أن تستمر الحكومة في التسويف في قضية اللجنة الإدارية والقانونية المختصة بعملية دمج الموظفين ما يشكل مزيدًا من الضغط والابتزاز على الموظفين وذويهم.
الرابع: مزيد من الضغط على التجار الذين يعانون من المنع وحالة الاستنزاف المالي الذي يعاني منه القطاع، خاصة في ظل ما جاء في بيان الحكومة حول ما تم تحصيله من إيرادات من قطاع غزة أقل من 3 ملايين شيكل منذ بدء عملية المصالحة بينما تنفق 100 مليون دولار، وهو ما يحمل كثيرًا من التضليل.
الخامس: وهو الأهم استمرار استفراد أبو مازن بالقضية الفلسطينية ومنظمة التحرير وتعطيل الإطار القيادي الموحد الذي من المفترض أن يشكل النواة لإعادة إصلاح منظمة التحرير وانضمام جميع الفصائل إليها.