حين وثقت زيارتها لوالدها الأسير

"مريم" إلى "ريمون".. تفتيش وفوج رابع و"ما سجنوني مع بابا"!

مريم
مريم

غزة-أمل حبيب

45 دقيقة من إحكام قبضتها على السمّاعة، كانت ترتجف كلما مر الوقت أكثر، خشيتْ أن تصارحه ببيت الشعر الذي حفظته لأجله، ترددت وقد بان على صوتها المرتجف، ثم قررت أن تنتصر وقالت وهي تنظر لعيني "ماهر": "أنا محكوم المؤبد اسمع مني اسمع.. السما بالغيم تلبد بس لابد بالشمس تسطع".

أنهت القصيدة كاملة ثم علت ضحكتها حتى كادت أن تخترق الزجاج بينها وبين والدها الأسير ماهر الهشلمون، بعد أن بادلها عبارات التشجيع لتحديها شعور الخوف من السجّان على عكس كل مرة!

طريق مريم ابنة الثماني ربيعًا الى سجن "ريمون" كان موثقًا للمرة الأولى، وختمته هي بنصيحة لأطفال الأسرى: "الخوف ولا اشي (...) ما سجنوني مع بابا".

آخر زيارة!

فجرًا، قبل كل شيء تُتَمتم مريم وقد رفعت كفيها للسماء: "ان شاء الله تكون هاي آخر زيارة لبابا والمرة الجاية ما فيه سجن".

من حلحول الى الخليل حيث الحافلة تنتظر هناك، فبعد هدم الاحتلال الإسرائيلي لمنزل الصغيرة "مريم" في الخليل، تضطر وأمها للخروج فجرًا كما الكثير من أهالي الأسرى الذين يسكنون القرى للوصول في الموعد المحدد للحافلة التي تنتظر لتقلهم الى صحراء النقب حيث "ريمون".

"خلصنا الحاجز الأول" تقول بهية النتشة زوجة الأسير ماهر، فترد عليها مريم ويداها داخل جاكيت صوف وردي اللون " آه خلصنا التصريح".

خطواتها كانت سريعة، وشعرها تربطه خلف رأسها كما تظهر بالفيديو الذي وثقته باتجاه "بابا الأسير"، زاد فضولنا أن نعرف ما بداخل الكيس الصغير بين يديها، هل كان لوحًا من شوكولاتة يفضلها بابا ماهر؟ أم جوربًا شتويًا قد يسمح المحتل أن يدخله ليشعر بابا بالدفء نوعًا ما؟"، إلا أننا أوقفنا سيل تخميناتنا فالمحتل يمنع إدخال أي شيء مُبهج لأسير حُكم عليه بالمؤبدين!

غفت مريم على كتف أمها نصف ساعة أو يزيد، قبل أن يغفو عجل الحافلة لتتوقف أمام ورشة لتصليح المركبات ويزيد الانتظار!

فوج رابع!

الحواجز.. عقبات الطريق.. خفقان القلب.. كله محتمل إلا الفوج الرابع للزيارة، المزيد من الانتظار لمريم وأمها تحاولان قطعه بسؤال من بهية واجابة من مريم لا حدود لوجعها!

"مريم شو بدك تقولي لبابا بس تشوفيه؟"، تجيب مبتسمة وكأنها ورثت ملامح أبيها وابتسامته معًا:" يلي بطلع من قلبي بحكيله إياه (...) بدي أشكيله همومي".

طفلة لم تتجاوز الثامنة من عمرها ما هي الهموم من وجهة نظرها؟ تقطع اندهاشنا مريم بقولها: "عشان بابا بالسجن بكون قلبي عليه شو بياكل وشو يعمل.. كلها هموم يا إمي".

مدة الطريق التي قد تزيل هموم "مريم" تجاوزت الأربع ساعات، في حين تخطت المدة ذلك في باحة الانتظار الخارجية لـ "ريمون".

العاشر من يناير تاريخ الزيارة التي لن تنساها "مريم"، ضحكة "ماهر" حينما وقفت أمامه وقد ازداد طولها، وانطلق لسانها بعد أن أكملت القصيدة دون الخشية من آسر والدها أن يعتقلها، مرورًا بأدق التفاصيل في اجازتها النصفية، وليس انتهاءً بنكتة ضحك عليها "بابا" قبل أن تكملها، فقط لأن من يحكيها كانت "مريم"!

الساعة 4.30 عصرًا في طريق عودة مريم من "ريمون" الى "الخليل" ما بين النوم أو السكوت التام، بقايا الحديث المنقطع، وحسرة واحدة بل عشرة، لا داعي لأي شيء في طريق العودة، سوى أن تكافح الغياب بابتسامة!

البث المباشر