تطل السلطة الفلسطينية بقرار جديد يهدف للالتفاف على القانون وتحجيم عمل السلطات الثلاث، لزيادة قبضة الرئيس محمود عباس على مفاصل الحكم في الأراضي الفلسطينية.
"محكمة الجنايات الكبرى" هو قرار جديد اتخذته السلطة فجأة دون إقرار من الجهات المختصة، قوبل برفض قاطع من جميع المؤسسات الحقوقية والمجتمع المدني، لانتهاكه صلاحيات جهات أخرى ذات اختصاص.
وكانت نقابة المحامين، ناشدت الرئيس عباس بضرورة إصدار مرسوم رئاسي بوقف إنفاذ القرار بقانون يتعلق في محكمة الجنايات الكبرى، والذي سبق أن تم إلغاؤه بالمرسوم الرئاسي رقم 20 لسنة 2007، بعد عرضه وعدم البت فيه من المجلس التشريعي، وعدم توفر حالة الضرورة ولانتهاكه ضمانات المحاكمة العادلة.
تكبيل الرأي الآخر
القانوني إبراهيم البرغوثي مدير المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"، انتقد قرار القانون القاضي بتشكيل "محكمة الجنايات الكبرى" ومنحها العديد من الصلاحيات.
وقال البرغوثي لـ"الرسالة" إن القرار يحتوي جملة من الانتهاكات التي تعارضها قوانين حقوق الانسان.
وأضاف: "المشكلة تتمثل في منح المحكمة صلاحيات خارج اختصاصها، والتعدي على مهام السلطة القضائية والتشريعية".
وأشار إلى أن اتخاذ قرارات دون مراجعة لها أو مراقبة عليها، مثل منح النيابة العامة صلاحية الهيئة القضائية ومنع مواطنين من السفر وترقب وصول آخرين، لهي أمثلة على تعدٍ واضح على مهام السلطات الأخرى.
وأوضح البرغوثي أن قوانين المحكمة الجنائية تزيد من التضييق على حرية التعبير، وتعمل على تكبيل أي رأي آخر.
وذكر أن هناك قرارات من اختصاص السلطة التشريعية فقط، والمحكمة جاءت لتأخذ صلاحياتها، "كما أن هناك جرائم لا تتضمن الجنايات وتم ضمها لاختصاص المحكمة
تدخل ضمن الاخلال بالأمن الداخلي".
بدورها، أعلنت نقابة المحامين مقاطعتها لمحكمة الجنايات الكبرى التي تم اعتمادها بقرار قانون رقم 24 لسنة 2017.
واتخذت النقابة عدة إجراءات احتجاجية، تلزم المحامين كافة في الوطن الالتزام بها وهي مقاطعة محكمة الجنايات الكبرى وتعليق العمل أمامها ابتداء من صباح أول أمس الثلاثاء ولمدة شهر كامل.
ولا يشمل تعليق العمل، محاكم الصلح والبداية أثناء نظرها طلبات تمديد التوقيف والإفراج بالكفالة التي تدخل ضمن اختصاصها حتى الإحالة إلى محكمة الجنايات الكبرى، والتي يمتنع على المحامين المثول أمامها تحت أي ظروف ومهما كان سبب انعقادها بما يشمل تقديم أي نوع من الطلبات أو حضور أي جلسة أمامها في كافة المحافظات التي تنعقد فيها.
كما وتحظر النقابة قبول أي انتداب من النيابة العامة في مرحلة التحقيق الابتدائي يتعلق بالجنح والجنايات التي تندرج ضمن اختصاص محكمة الجنايات الكبرى.
وأشاد البرغوثي بموقف نقابة المحامين، مؤكدا بأنه يستحق الدعم والاسناد بمقاطعة المحكمة لمدة سنة، حتى تتيح فرصة لاستجابة الجهات الرسمية للتراجع عن قرار تشكيل المحكمة.
وطالب الجهات المختصة في غزة من محامين ومحاكم برفض القرار بشكل قاطع، لإجبار السلطة التراجع عن القرار.
رفض قاطع للمؤسسات
وفي سياق متصل، ناقش الائتلاف الأهلي للرقابة على العملية التشريعية ومجلس منظمات حقوق الإنسان وشبكة المنظمات الأهلية وائتلاف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذين يمثلون أكثر من مئتي مؤسسة مجتمع مدني؛ قرار قانون محكمة الجنايات الكبرى.
وقال الائتلاف إن إقرار القانون بسرية تامة ودون نقاش مجتمعي، وهو النهج الذي بات متبعا في إقرار التشريعات التي تمس الحقوق والحريات من قبيل القرار بقانون المعدل لقانون المحكمة الدستورية العليا وقرار بقانون الجرائم الإلكترونية، بما يدلل على إصرار السلطة التنفيذية على الاستمرار بنهج التفرد والهيمنة على العملية التشريعية، في ظل غياب المجلس التشريعي، وخلافا لأجندة السياسات الوطنية والخطة التشريعية للحكومة التي أكدت على النهج التشاركي في العملية التشريعية.
وأكدت المؤسسات المشاركة في النقاش الموسع على أن قرارا بقانون محكمة الجنايات الكبرى ينتهك أحكام القانون الأساسي المعدل والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية وقانون الإجراءات الجزائية، ويمس بشكل خطير بضمانات المحاكمة العادلة وبصلاحيات السلطة القضائية واستقلالها وحسن سير العدالة.
وشددت المؤسسات على ضرورة إلغاء قرار المحكمة لعدة أسباب أبرزها، انتفاء الضرورة التي لا تحتمل التأخير كشرط دستوري لصحة قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى، خاصة وأنه طُرح على جدول أعمال مجلس الوزراء منذ ما يزيد على عام قبل إقراره ونشره، بما ينفي حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير ويؤكد عدم دستوريته.
كما أن تشكيل محكمة الجنايات الكبرى بقرار قانون مخالف بحد ذاته لأحكام القانون الأساسي الذي نص صراحة في المادة (97) على أن يحدد "القانون" طريقة تشكيل المحاكم واختصاصاتها.