عندما يكون طرفان في حالة حرب وعداء، يكون من الصعب جداً شن هجوم مفاجئ، بحيث يكون مفاجئاً تماماً، في مثل هذه الحالات، يحاول منفذ الخدعة خلق انطباع بأنه يقوم بأعمال روتينية، وذلك عن طريق جعل العدو يدرك أنه يقوم بنشاطات متماثلة متكررة باستمرار. وإحدى الطرق لتنفيذ ذلك تتم عن طريق تحريك حشودات عسكرية كبيرة تمهيداً لشن الهجوم بدون إثارة الاشتباه لدى الطرف الاخر بهذه التحركات، تحت غطاء إجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق.
في حالات كثيرة من هذا النوع، تتعزز احياناً درجة السرية عن طريق عدم إبلاغ، حتى القوات المشاركة في الهجوم بأنها على وشك الدخول في هجوم، يمكننا القول ان كل انواع الخدع تهدف إلى التضليل العدو وتشويشه في موضوعين أساسيين فقط ، أولاً : تضليله بشأن النوايا ، ثانياً : تضليله بشأن القدرة .
ان أي عملية خدعة ناجحة يمكن ان تكون موجهة اولاً وقبل كل شيء الى احد هذين الهدفين، ولكن في بعض الحالات يمكن ان تشمل الخدعة الهدفين معاً، حيث انه توجد علاقة وثيقة بين النوايا والقدرة فيما يتعلق بإدارة الحرب .
عندما يقنع أحد الاطراف خصمه بأنه تنقصه بعض عناصر القدرة، فإنه قد يقنعه ايضاً بأنه ليست لديه أية نية للقيام بعملية عسكرية ، فمثلاً في حرب اكتوبر روج المصريون اشاعات بأن بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات التي بحوزتهم تعاني من نقص كبير في قطع الغيار (قدرة) ، وانه من الواضح بأنهم لا يزالون غير قادرين على المبادرة بشن حرب (نوايا) ايضاً لاحظوا معي تصريح نتنياهو اليوم بأنه لا توجه إلى الحرب .
ان الخدعة المتعلقة بالنوايا، تكون دائماً تهدف الى اخفاء الاهداف والخطط الحقيقية لعملية الخدعة، حيث يمكن تحقيق ذلك عن طريق السرية، او بواسطة خطة تضليل فعالة ومعقدة جداً، التي من شأنها صرف نظر العدو عن النوايا الحقيقية، وتحويل انتباهه إلى اتجاهات أخرى، وهنا أقول ، ان الخدعة من النوع الفعال يجب ان تعتمد دائماً على تمويه ناجح للنوايا الحقيقية بالإضافة الى تطوير (طعم) نوايا غير حقيقية .
ان أي خرق للسرية المتعلقة بالنوايا الحقيقية سيؤدي بالطبع الى الفشل، والى تضليل وخداع الذات، حتى ربما تتحول الى أداة في يد العدو يستخدمها في نشاطاته التضليلية التي يقوم به، إذ أن العدو يمكنه ان يتظاهر بأنه واقع ضحية خدعة، وبنفس الوقت يتوقع سلفاً اجراءات الجانب الذي ينفذ الخدعة، ويضع خطط المفاجأة او ينصب مصيدة من جانبه، لهذا في عمليات الخداع المعقدة، الاحتلال لديه وحدة خاصة تحاول دائماً التأكد من أن الطرف المقابل قد إبتلع فعلاً الطعم، أم انه يتظاهر فقط بأنه وقع ضحية خدعة .
عندما خطط الاحتلال في عام 1956 للهجوم على مصر بالتعاون مع بريطانيا والفرنسيين، خلقوا عن قصد، الانطباع بأنهم يعتزمون الهجوم على الاردن، عن طريق حشد قواتهم على مقربة جداً من الحدود الاردنية، وصعدوا عملياتهم الانتقامية ضد الاردن .
كما أن استخدام الخدعة بهدف تضليل العدو فيما يتعلق بالقدرات العسكرية، يمكن أن يتم بنوعين: الأول؛ موجه لخلق تقدير مبالغ فيه بالنسبة للقدرات بمصطلحات كمية و نوعية معاً، في حين نحاول في النوع الثاني من استخدام الخدعة، إخفاء قدرات عسكرية موجودة .
نوع الخدعة الاول، يستخدم بشكل عام لدى القوى والدول الضعيفة التي تحاول ردع عدو أقوى منها، ولترجمة تفوق وهمي في مجال القدرات العسكرية إلى مكاسب سياسية، او من أجل كسب اكبر وقت ممكن تستطيع خلاله اغلاق الفجوة القائمة في مجال القدرات العسكرية .
اما النوع الثاني من الخدعة، فيهدف الى إخفاء القدرات العسكرية الموجودة، بهدف خلق انطباع بأنها غير قادرة على تنفيذ خطط هجومية معينة، أي إخفاء نواياها الهجومية او اخفاء قوتها العسكرية لأسباب اخرى، وهذان النوعين من الخدعة، ليس بالضرورة ان ينفذا فقط في حالات الحرب، ويمكننا ملاحظة استخدام مثل هذا النوع من الخدع لدى المقاومة خلال الفترات السابقة وذلك بهدف خلق حالة ردع لدى العدو .
بالختام اقول الجزء المهم في فن الخدعة، يتمثل في القدرة على التفكير كما يفكر العدو، إذ ان ما قد يبدو منطقياً بنظر الجانب الذي يرسم الخدعة، ربما لا يبدو منطقياً بنظر الضحية الهدف، ويجب ان نكون على دراية بطريقة تفكير العدو، وانا على قناعة بأن اجهزة المقاومة الاستخبارية و هي عيننا التي نري بها مواطن الضعف والخلل في جسد العدو، قد أخذت أهمية وشمولية كبيرة لدى المقاومة الفلسطينية، وغدت مرتبطة باستراتيجية المقاومة، فالمقاومة تسعى للحصول على افضل المعلومات التي يمكن الحصول عليها عن العدو، والتغلغل في صفوفه بواسطة استخدام الوسائل التكنولوجية والتقنية، من اجل معرفة ما الذي تعرفه وما الذي تريد معرفته، وكيف تحصل على المعلومات التي تريد، لأنه كلما استطاعت تنفيذ عمليات خداع واختراق استخباري ناجح، سيسعى العدو بالمقابل بالرد من خلال اجهزته الاستخبارية لذلك عليها أن تسأل نفسها باستمرار ما هي الاتجاهات المعقولة والاكثر منطقية التي قد يهاجم العدو منها .