قائد الطوفان قائد الطوفان

بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية

صغار الضفة.. لقمة عيش تهدد براءة طفولتهم

 

الخليل – لمراسل الرسالة نت

أغلقت نافذة السيارة أملا في إبعاده قليلا عن مسار السيارة التي تشبث بها من اجل أن اشتري منه عبوة ماء بارد. لم يخفف ميول الشمس إلى الغروب من حدة الحر التي ألهبت الأجواء في شهر تموز، كما منحت أزمة السير الخانقة على مدخل مدينة رام الله عددا كبيرا من الأطفال الفرصة لبيع بعض ما تحمل أيديهم.

فتحت نافذة السيارة بعد أن ألهبت مشاعري قسائم طفل لم يتجاوز السابعة وعيونه التي تفيض بالألم والرجاء. زدت قليلا على سعر عبوة الماء البارد فابتسم الطفل ابتسامة لم تخفف من سمرة بشرته التي أحرقتها خيوط الشمس كما لم تجفف حبات العرق التي شكلت سيولا صغيرة على جبينه ووجنتيه.

سر المهنة

يخفي العشرات من الأطفال الذين يتسورون السيارات المارة على معبر قلنديا أسباب انخراطهم في بيع الحاجيات الملحة للعابرين من تلك الطرق لكن الأمر يتعلق بهمة هؤلاء الأطفال في تكوين حياتهم ومستقبلهم. الشريحة الكبرى من الأطفال يؤكدون أنهم يمارسون العمل المبكر لأنهم لا يرغبون أن يكونوا عالة على أسرهم وذويهم في حين أن عددا آخر يؤكد انه خرج للعمل مكرها.

 بشار طفل تجاوز عمره 12 عاما يميل جسده إلى البدانة فيما تبدو عليه علامات الرفاهية: هندام نظيف، سحنة لم تتمرغ في وحالة الظروف الصعبة. كان يستخدم يافطة كبيرة على قارعة الطريق كمظلة لتقيه حرارة الجو.

سألته عن سبب عمله في بيع فوط التنظيف بدون الحاجة إلى ذلك، فأجاب انه لا يعمل شيئا معيبا لقد اتفق مع والده أن يقوم في العطلة الصيفية بالعمل فهو يتعلم تحمل المسؤولية من جهة ومن جهة أخرى يخفف عن والده مصاريف العام الدراسي الجديد.

قلت له ماذا عن مواهبك وتحصيلك العلمي؟ قال: مواهبي أنميها بالعمل ولا أجد لي رغبة بالانضمام إلى مخيمات صيفية لأنني أجد نفسي في العمل والمخيمات تذكرني بالدوام المدرسي وإذا كان الهدف منها المنفعة فانا اعمل واحصل على منفعة من نوع آخر.

واقع اقتصادي

ويختلف واقع عمالة الأيدي الصغيرة من مدينة إلى أخرى في الضفة الغربية تحديدا فهناك أطفال يتجهون من القرية إلى المدينة أملا في إيجاد فرص عمل لدى أصحاب الكراجات أو في الأسواق العامة أو في مجال المهن الأخرى بعضهم يعمل كمتدرب ويتلقى أجرة الطريق وبعضهم يتدرب فقط.

الطفل (عبد المجيد) الذي يعمل في إحدى الورش لتصليح السيارات قال انه توجه إلى هذه المهنة بعد خروجه من المدرسة لان والده توفي في حادث عمل وأمه مريضة ولا يوجد من هو اكبر منه في العائلة كي يعيل الأسرة. وأضاف أن رب العمل يقدم له أجرة شهرية لا تزيد عن 500 شيكل يستخدم 300 شيكل مواصلات للوصول من قريته التي تبعد 8 كلم شرق الخليل.

بعض الأطفال الذين التقيناهم قالوا أنهم لا يملكون نفقات المخيمات الصيفية ولا يستطيعون الحصول على تغطية من دخل الأسرة المحدود جدا خاصة وان بعض الأسر لديها عدد من الأطفال تنحصر أعمارهم بين الأعوام المطلوبة للمشاركة في المخيمات.

في حين أكد الطفل معتز 11 عاما انه يعمل في محل تجاري يمتلكه والده وقد ذهب للعمل لمساندة والده من جهة ولتعلم المهنة من جهة أخرى

ويسكن الطفلين المذكورين في محافظة الخليل حيث يتعلم الأطفال فيه الصنعة أو المهنة مبكرا للمشاركة في حمل الأعباء والمسؤولية.

طفولة مستغلة

الكثير من أطفال الضفة الغربية يتعرضون للابتزاز والاستغلال ما حصل اما ناظري على مدخل مدينة رام الله أكد لي أن الطفل كلما كان صغيرا ومحتاجا كان هدفا سهلا للتجار الكبار ومهربي البضائع . بعض هؤلاء الأطفال يتعرضون للشتم جراء بيعهم مواد منتهية الصلاحية أو( سيديهات) مشروخة أو فارغة خاصة وانه يعملون في شوارع يمر بها أناس مرورا سريعا.

خالد وحسن طفلين شقيقين يعملان على مدخل مدينة رام الله (منطقة قلنديا ) وعلى مقربة من الطفلين شاب نحيف يرتدي نظارة سوداء يقترب ويبتعد منهما بعد أن يهمس في أذنيهما بين الحين والآخر. من خلال المشهد يستطيع المرء أن يميز دور هذا الشاب في تشغيل الطفلين واستغلال طفولتهما في الترويج للبضائع الفاسدة نذكر منها ملطف السيارات والعلكة وغيرها

عمالة داخل المستوطنات

وكما تدفع الظروف والأحوال السيئة الأطفال إلى شوارع الضفة هناك أطفال لا يتجاوز عمره الواحد فيهم الـ16 عاما يتسللون في ساعات الفجر إلى المستوطنات بهدف البحث عن مصادر رزق يعتاشون منها وهناك يتم استغلالهم لأغراض العمل بأجور لا تتجاوز 50 شيكلا وبعضهم يتعرض للنصب والاحتيال وأسوأ ما في هذا النوع من العمالة أن بعض الأطفال يتم إسقاطه ويقوم بأعمال تجسسية، وآخرون فيقدمون خدمة معينة لجنود اسرائيليين مقابل أن يسمح لهم بالبيع على مقربة من المعابر أو داخلها.

وبالرغم من محدودية هذا النوع من العمالة إلا أنها تشكل ظاهرة مؤرقة داخل المجتمع الفلسطيني بحيث تستغل حاجة هؤلاء الأطفال للعمل بصورة غاية في البشاعة.

ظاهرة غير قانونية

القانون المحلي والدولي ينص على تجريم من يستخدم الأطفال في العمالة ورغم ذلك فإن عمالة الأطفال تزداد يوما بعد، حيث أن الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني تحديدا تجبر الجهات المختصة التخفيف من إجراءاتها العقابية وخاصة أن الكثيرين يعملون بسبب الوضع الاقتصادي.

اتفاقية حقوق الطفل نصت على أن الدول الأطراف تعترف بحق الطفل وحمايته من الاستغلال ومن أداء أي عمل قد يضر أو يمثل إعاقة أو أن يكون ضارا بصحته أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي.

اما مركز المعلومات الوطني الفلسطيني فيعتبر أن استعمال الأطفال ظاهرة غير قانونية وان إغلاق مصادر وأبواب العمل وبناء الجدار زادت من هذه الظاهرة.

وقد منع قانون العمل الفلسطيني لعام 1994 منعا باتا تشغيل الأحداث قبل إتمام سن ال14 وكذلك قانون منع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما من العمل لمدة تزيد عن 6 ساعات في اليوم الواحد إذا أرغمتهم الضرورة.

وأكدت مصادر في مديريات التربية والتعليم والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية في الضفة الغربية أن نسبة الأطفال في المجتمع الفلسطيني تشكل 42،9 % من المجتمع، وان نسبة الطلبة المتسللين من المدارس والمتجهين للعمل بلغت في الآونة الأخيرة 1،2% وان 72% من الأطفال يعملون بسبب الظروف الاقتصادية السيئة.

وبحسب نفس الاحصائية فان الأطفال في الفئة العمرية (15-17) سنة يشكلون 9 ، 34 % من مجموع السكان. في حين أن نسبة الأطفال الذين يعملون باجر أو بدون اجر وصل حسب آخر إحصائية للجهاز المركزي إلى 3،1% من إجمالي عدد الأطفال في الضفة الغربية وقطاع غزة وأكدت ذات الإحصائية أن نسبة الأطفال الذين تركوا المدارس بلغت 3%.

 

البث المباشر