انشغاله بضيوفه، وما تخلل ذلك من تبادل لأطراف الحديث والضحكات، شغله عن صلاة العشاء في جماعة، فقضى فرضه بــ27 مرة، وحين توجه للنوم أفزعه سباق الخيول الذي رأى نفسه فيه المتسابق الأخير!
تلك الحكاية التي أنصت اليها جيدًا إبراهيم صيام 26 عامًا قبل عشر سنوات أو يزيد، كانت دافعًا له للالتزام بصلاة المسجد واغلاق باب رزقه بيديه منذ سبع سنوات!
بنفسجية اللون!
ما نرصده بعدسة "الرسالة" في شوارع الوطن بغزة كانت "بسطة" للسكاكر وحاجيات الصغار من "البونبون" ورقائق البطاطس والعصائر المثلجة في سوق عمر المختار وسط مدينة غزة، وهي الوحيدة التي يوقف صاحبها باب البيع للصلاة!
المحال التجارية جميعها مفتوحة من حول "بسطة" الشاب إبراهيم المُغطية معالمها برقعة قماش بنفسجية اللون!
سبع سنوات لم يكن سهًلا عليه أن يترك نداء "الله أكبر" دون أن يُغطي حاجياته، ويتجه للمسجد العمري القريب من دكانه والعودة!
المار من هناك لحظة الأذان سيبصر إبراهيم وهو يترك الزبائن بلطف ويوقف البيع، سيدرك أن السكاكر التي يبيعها من أجود الأنواع تماما كقلبه المعلق بالله، وقد تتمنى أن يمسي قدوة لغيره من التجار في السوق.
عند اقترابنا منه كان منهمكًا في وضع حاجيات داخل كيس أسود اللون لطفل صغير مع أمه، أبدى إبراهيم ترحيبه فينا " تفضلي"، وعند التعريف عن هويتنا، ابتسم وقال بلطف:" لا أود التصوير".
مرت السنين ولم يتغير شيء عن المشهد المحبب له، يقول:" الصلاة عندي كل حاجة، كيف أفرط فيها".
سألناه مرارًا عن سبب رفضه فكرة التصوير، من الخيارات كان:" هل تخشى الرياء؟"، فهز رأسه وارتسمت ابتسامة صغيرة.
إبراهيم الذي بدى على يقين بأنه يفعل عبادة مطلوبة منه، لا يحتاج التقدير من أحد، ويقول:" أنا ألتزم بفريضة الصلاة وهذا شيء مريح ويوسع باب الرزق(...) غيابي عن البسطة لا يتجاوز العشرين دقيقة".
لم ينكر العشريني بأنه يتمنى أن يجد جميع المحلات التجارية قد أغلقت وقت الصلاة، آملًا أن يتشجع الباعة والتجار لفعل ذلك عند رؤيته!
إبراهيم أنهى دراسته المدرسية، ولم يتمكن من الالتحاق بالجامعة لسوء الوضع الاقتصادي لعائلته التي تسكن في حي الزيتون شرق غزة، فوالده يعمل في محل لبيع القهوة بالكاد يوفر مصروف البيت اليومي.
غادرنا بسطة السكاكر بعد أن كبر ذاك الشاب في نظرنا، لحرصه بأن يكون عمله وعبادته خالصة لوجه الله، مدركين بأنك سوف تدعو الله له بأن يبسط له الرزق عند انتهائك من قراءة هذا التقرير!