كالغريق الذي يتعلق بـــ "قشة"، يحاول رئيس السلطة محمود عباس جاهداً إنقاذ ما تبقى من وهم مسار "التسوية" الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة عقب قرار الإدارة الأمريكية الأخير باعتبار القدس عاصمة لـكيان الاحتلال الإسرائيلي.
ويسعى مهندس اتفاق "أوسلو" إلى طرح رؤية جديدة تخرجه من المأزق الذي وضعته فيه الإدارة الأمريكية بعد إملائها عليه ما يُعرف بـ"صفقة القرن".
وكان مسؤول غربي أفاد أن عباس قدّم رؤية بديلة لصفقة القرن للجانب الأميركي، من خلال طرف ثالث، تنص على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 على مراحل، مع تبادل أراضٍ يسمح للاحتلال بضم الكتل الاستيطانية الرئيسة.
وقال المسؤول لصحيفة الحياة اللندنية: "طلب عباس أن يتم الاتفاق على الحدود أولاً في مقابل الموافقة على إقامة دولة فلسطينية على مراحل"، إلا أن الجانب الأميركي رفض العرض الفلسطيني على اعتبار أن الخطة للتطبيق وليست للتفاوض.
ويبدو أن هذا المقترح الذي أراد عباس أن يكون بمثابة طوق نجاة له، لم تقبل أمريكا دراسته حتى من باب المجاملة، وأبقت الباب مواربا لأبو مازن أمام الموافقة على خطتهم التي طُرحت للتطبيق دون تفاوض.
استنساخ الفشل
ويعتقد الكاتب والمحلل السياس نعيم بارود أن هذا الطرح يمثل محاولة استنساخ لمرحلة "أوسلو" الأولية التي وقّع فيها عباس ومجموعته على اتفاق غزة أريحا أولاً، ليعقبه رويدا رويدا التوصل لحل في الملفات النهائية، وهي القدس واللاجئين والحدود، وهو ما لم يحصل ولم تبق منه (إسرائيل) شيئاً.
ويوضح نعيم خلال حديثه لـ"الرسالة نت"، أن عباس يحاول أن يستنسخ الفشل مرة أخرى، ويريد أن يستنسخ الوسيط الأمريكي في رعاية التسوية مجدداً، مبيناً أن مثل هذه الخطوة تدلل على أن فريق "أوسلو" وعلى رأسه أبو مازن ماض في طريق تصفية القضية واستنزاف كل مقدرات الشعب الفلسطيني حتى النهاية والخروج بنتيجة صفر.
وبيّن أن هذه المحاولات وغيرها لن تقبل بها أمريكا التي أبلغت السلطة والأطراف الدولية بأن صفقة القرن مطروحة للتطبيق وليس للمناقشة وعلى الفلسطينيين القبول بها دون إبداء أي رأي، مشدداً على أن الخيار الوحيد المطروح أمام عباس هو اللجوء إلى شعبه والمقاومة وإنهاء الانقسام؛ لمواجهة هذا الأمر ورفض هذه الصفقة.
محاولة تحسين
ويرى الكاتب والمحلل السياسي د. تيسير محيسن أن طرح عباس يأتي في سياق محاولات تحسين ما تم الإعلان عنه وسمي بصفقة القرن.
ويؤكد محيسن لـ"الرسالة نت" أن رئيس السلطة يشعر بالالتفاف العربي حول هذه الصفقة، ويحاول الالتفاف عبر طرح جديد؛ لتحسين شكل ومراحل هذه الخطة الأمريكية التي تنص على بدء تمكين الفلسطينيين من إقامة دولة لهم في حدود مؤقتة ثم يجري التفاوض على نهاية شكل الدولة الفلسطينية.
وتابع "عباس قلب الهرم وطرح أن تدخل (إسرائيل) في مفاوضات مباشرة على حدود الدولة التي يرى انها في حدود الرابع من حزيران لعام 1967، وبعد الانتهاء منها يجرى تبادل أراض دون إسقاط موضوع القدس الشرقية كعاصمة، بخلاف ما طرحه الامريكيان حول أبو ديس".
وأشار محيسن إلى أن أبو مازن وجد نفسه أمام جدار لا يستند إلى موقف فلسطيني موحد لمواجهة الهجوم الأمريكي، الأمر الذي جعله يبحث عن أي مسلك يحفظ له ماء وجهه، لافتاً إلى أن عباس يريد أن يخرج من هذا المنعطف بطريقة توحي للشارع العربي والفلسطيني أنه هو من حدد معالم هذا الخروج، ولذلك يطرح مشاريع بديلة قد لا يوجد توافق عليها فلسطينيا أو عربياً.
وفي نهاية المطاف يمكن القول إن ما بقي لعباس خياراً واحداً وهو اتخاذ قرارات وطنية من شأنها أن توحد الشعب خلف خيار المقاومة وتساعد الرجل في الخروج من مأزق التسوية.