قائد الطوفان قائد الطوفان

إحالة قاضيين للتحقيق

قمع الحريات يشمل القضاة في الضفة!

قضاة السلطة
قضاة السلطة

الرسالة نت - فايز الشيخ

لم تمضِ أشهر قليلة على إحالة قاضي المحكمة العليا عبد الله غزلان للتحقيق بسبب انتقاده الوضع المتردي للقضاء في الضفة الغربية، ووصفه له بأنه "قضاء بالمقاس"، حتى تم إحالة قاضي المحكمة العليا عزت الراميني للتحقيق بسبب مشاركته في ورشة عمل حول الحماية الشعبية للقضاء.

وفي التفاصيل، فقد أحال مجلس القضاء الأعلى في الضفة القاضي الراميني للتحقيق على خلفية مشاركته في اجتماع لتأسيس ائتلاف شعبي لحماية استقلال القضاء، بدعوة من الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وبمشاركة حوالي 60 شخصية قانونية ومجتمعية.

وأكد الراميني في تصريح مقتضب لـ"الرسالة" أن مصادر عديدة مطلعة أبلغته أن مجلس القضاء الأعلى قرر في جلسته الإثنين الماضي، أحالته للتحقيق الإداري بسبب مشاركته في ورشة عمل حملت عنوان "حماية شعبية للقضاء"، معتبرًا أن ما قام به قانوني. 

والسؤال هنا "إذا كانت إدارة القضاء تبطش بحق القضاة في التعبير عن رأيهم في الشأن العام، فكيف للقضاء أن يحمي حقوق المواطنين!؟"، كما أن هذا يعني أن إدارة القضاء ماضية في بناء جدار فاصل بينها وبين المجتمع الذي يشكل الحاضنة الآمنة لاستقلاله ونزاهته، ويثير جملة من التساؤلات حول فاعلية دور إدارة القضاء في الدفاع عن استقلاله وما سيعكسه هذا الإجراء سلبياً على علاقة القضاء بالمجتمع الذي ينتمي إليه.

سلطة قضائية هشة

وعبر داوود برعاوي أمين عام مجلس نقابة المحامين في الضفة عن استهجانه لإحالة القاضي الراميني للتحقيق لمجرد حضوره ورشة عمل تتعلق بأسس الرقابة الشعبية على السلطة القضائية في ظل غياب المجلس التشريعي.

وأرجع برعاوي في حديثه لـ"الرسالة" حيثيات إحالة الراميني للتحقيق، إلى التعميم الذي أصدره مجلس القضاء الأعلى في الضفة قبل ستة أشهر عقب قضية مشابهة جرى خلالها إحالة القاضي أبو غزالة لمجلس تأديبي بنفس الطريقة والظروف الحالية، مبيناً أن التعميم كان مفاده "حظر مشاركة القضاة في إبداء الرأي في القضايا التي تخص الشأن القضائي ومنعهم من المشاركة في فعاليات المجتمع المدني فيما يتعلق بإصلاح المنظومة القضائية".

وأكد أن التعميم سالف الذكر، وما تبعه من قرار إحالة الراميني وأبو غزالة "هو قرار جائر ويتعارض ويتضارب بشكل واضح مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومع ميثاق الأمم المتحدة الخاص باستقلال القضاء والمحامين، والتي ورد فيها نص واضح عن حرية القضاة في إبداء الرأي شريطة أن يحافظ القاضي على مكانة وهيبة الوظيفة القضائية".

وبينّ برعاوي أن استهداف السلطة للقضاة "سيرهبهم ويعيق عملهم"، مفسراً أن عملية التداخل العميق والواضح بين السلطة التنفيذية وحالة التغول على السلطة القضائية والتدخل في شؤونها كافة "بالتأكيد ستدفع باتجاه إخراس أي صوت معارض لنهج السلطة التنفيذية داخل السلطة القضائية، وبالتالي من الطبيعي الاستفراد بهؤلاء القضاة ومحاولة طمس أصواتهم والتأثير على أحكامهم"، على حد تعبيره.

تسييس للقضاء

أما فرج الغول رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي ووزير العدل سابقاً، فقد عبر عن استنكاره لإحالة القاضي الراميني للتحقيق ومن قبله القاضي أبو غزالة لمجرد التعبير عن الرأي، عاداً ذلك "تدخلاً سافراً في القضاء لا يمكن القبول به بأي حال من الأحوال".

وأشار إلى أن القضاء "سلطة مستقلة لا يجوز لأحد أن يتدخل فيه، وهو سلطان نفسه وليس له رقيب إلا الله سبحانه وتعالى ثم ضمير القاضي في قضائه"، محذراً من أن هناك خطورة شديدة جداً يتعرض لها القضاء واستقلالية القضاة وسيادة القانون في الضفة الغربية.

ويرى الغول في حديثه لـ"الرسالة" أن القضاء في الضفة الغربية في أصله هو قضاء قوي وجيد، غير أنه عبر -بالمقابل-عن أسفه الشديد بأنه ساده في الفترة الأخيرة تدخلات كثيرة من السلطة الحاكمة في رام الله، مؤكداً على أن مؤسسة الرئاسة لها الضلع الأكبر في هذا التدخل.

وأوضح أن تدخل مؤسسة الرئاسة في القضاء يمثل محاولة لتسييسه لصالح السلطة في الضفة، حيث برز ذلك واضحاً عندما أقالت مؤسسة الرئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى، والذي صرح بصورة واضحة أنه أجبر على توقيع كتاب استقالته لعباس قبل أن يتسلم منصبه، وذلك اعتراضاً منه على مساومته بأن يكون تابعاً لعباس بصورة مباشرة.

وأردف أن هذه التدخلات واضحة في إنشاء محكمة دستورية مؤخراً على مقاس عباس، علماً أن الأخير رئيس منتهي الولاية، وبالتالي التعيينات التي أُجريت من قبله للنائب العام والقضاة باطلة، مشيراً إلى أن التدخل في السلطة القضائية واضح من خلال تعيين قضاة حزبيين وموالين لفصيله ويحكمون على مزاجه وتوظيفهم بطريقة غير قانونية.

وعبر الغول عن اعتقاده بأن الهدف من إغلاق المجلس التشريعي في الضفة وبمساعدة فعلية من الاحتلال، هو منع النواب من ممارسة مهامهم النيابية المكفولة بالقانون الفلسطيني، حتى يتسنى لعباس الاستفراد في السلطة.

ولفت إلى أن الجريمة التي يرتكبها عباس بحق السلطات الثلاث تستوجب محاسبته عليها، وأن يتم وضعه أمام المحاكم الفلسطينية لتحاكمه على الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني ومؤسساته وسلطاته، مكرراً اعتقاده أن القضاء قوي في الضفة ويستطيع أن يقف في مواجهة هذه التصرفات غير القانونية.

وطالب الغول نقابة المحامين في الضفة والمؤسسات النقابية والحقوقية الأخرى والشرفاء كافة في المجتمع الفلسطيني، الوقوف في وجه هذه الممارسات واتخاذ إجراءات عملية نصرة للقضاء واستقلالية قضاته وسيادة القانون، منوهاً إلى أن نقابة المحامين اتخذت أكثر من موقف مشرف وقوي ضد هذه الممارسات وعطلت العمل أكثر من مرة عبر الاحتجاجات والإضرابات والمقاطعة للسلطة رفضاً لتدخلاتها في القضاء.

البث المباشر