قائد الطوفان قائد الطوفان

خيمة على شاطئ البحر شاهدة على خذلان الأسير المحرر "اللحام"

خيمة على شاطئ البحر شاهدة على خذلان الأسير المحرر "اللحام"
خيمة على شاطئ البحر شاهدة على خذلان الأسير المحرر "اللحام"

الرسالة نت - ياسمين عنبر

هطلت الأمطار بغزارة، فهرعت الطفلة الصغيرة ذات السبعة أعوام لتلملم ملابس نشرت على حبل الغسيل على باب الخيمة، وضعتهم في زاوية بداخلها ثم دفنت رأسها وتلحفت بواحدة من قطع الغسيل كي تقيها البرد، بينما أسرعت الأم لتداري طفلها النائم داخل الخيمة بلحاف مهترئ كي لا تصله قطرات المطر من ثقوب غطاء الخيمة، أما الطفل الآخر فهرول إلى جاره كي يأتي ببطارية "الليدات" من بيت جيرانهم قبل أن يشتد المطر فلا يستطيع الخروج.

لم يكن هذا وصفًا لموقف طارئ، أو نصًا من رواية، فهذا "روتين يومي" منذ ثلاث سنوات ونصف في حياة عائلة الأسير المحرر "هاني اللحام".

فقد كان من الصعب على نفس الخمسيني "اللحام" أن يمد يده طلباً لمساعدات الناس، وهو الذي اعتادت نفسه على الكرامة واقتات العزة في سجون الاحتلال، مدركًا أن اليد العليا خير من اليد السفلى، ولكنها قسوة الحياة!

"اللحام" كان يعيش حياة كريمة قبل حرب 2014، حيث كان يتقاضى راتب أسير من السلطة الفلسطينية، عدا عن مزرعة الدجاج التي يملكها.

بدون مقدمات ومن غير أسباب واضحة، تفاجأ "اللحام" الذي قضى في سجون الاحتلال عشرة أعوام بقطع راتبه، وتلا ذلك خسائر فادحة في مزرعة الدجاج قلبت حاله وأسرته!

تراكمت الديون عليه ووصل به الحال إلى عدم قدرته على سد إيجار منزله، ليؤول به الحال إلى خيمة على شاطئ البحر تأويه وأطفاله!

لم يكن الحديث مع عائلة "اللحام" متواصلًا حين التقتها "الرسالة"، إذ قاطعه الكثير، كقطة تدخل عند الطفل النائم داخل الخيمة فتهرول أمه بإخراجها، وسؤال مارة على امتداد الشاطئ عن سبب عيشهم بهذه الطريقة، وليس أخيرًا خوف الأم على أطفالها من الوقوع عن الصخور التي تملأ شاطئ البحر.

لم يساور الندم "اللحام" لما قدمه من تضحيات للوطن ولشعبه، لكنه يتساءل فقط بعد أن شرح معاناته ووضعه الصحي الصعب: "هكذا يجازى من أضاع زهرة شبابه لأجل الوطن!"، ويكمل: "لا نريد قصرًا ولا بيتًا كبيرًا، كل ما نطمح إليه أن يتم مساعدتنا في إيوائنا في بيت صغير ولو غرفة واحدة".

ملك " 7 أعوام" تستمع إلى حديث أبيها، وعند سؤالنا لها عن أمنياتها، فكرت كثيرًا، فبماذا ستجيب وهي محرومة من كل شيء على هكذا سؤال، لتقول وهي ترفع شعرها الأشقر عن عينيها: "نفسي يكون عندي فستان".

نورا حسونة "32" عامًا بنت اللد المحتلة والتي كان قد تزوجها "اللحام" عند خروجه من السجن في رام الله قبل أن يجيء بهم إلى غزة، شاركتنا الحديث هي الأخرى بأسى شديد، تقول: "من الصعب جدًا على الإنسان الذي اعتاد العيش بعزة أن ينتظر مساعدات الناس وتعاطف المارة معه(...) فنحن نعيش عيشة قاسية لا يعلم بها إلا الله".

لم تستسلم "حسونة" للظروف، وهي التي تعيش في غزة بلا أهل ولا سند، حيث كانت وزوجها يبيعان الشاي والقهوة في الصيف على شارع البحر للمتنزهين، كي يوفرا قوت يومهما وأطفالهما، تقول: "لكن بعض الناس من المارة أتلفوها"، تتنهد مسترسلة: "رضينا بالهم والهم مش راضي".

فبعض المستفقدين لهم كما تحكي، يعتقدون أنهم رجعيون وأميون مع أنها تملك شهادة السكرتاريا الطبية، تكمل: "زوجي موهوب بالفن التشكيلي والنحت لكن قسوة الحياة التي نعيشها لا تمكنه من إقامة مشروع خاص به".

كل المناشدات التي توجهت بها عائلة اللحام للمؤسسات الحقوقية، والوزارات والتي يعدونهم دائمًا بحل مشكلتهم، انتهت بـ "تبرع بعض المؤسسات لهم بنايلون يغطي الخيمة" والذي تقول عنه "حسونة": "مع كل عاصفة أو موجة هواء شديدة يثقب غطاء الخيمة النايلون وينزل المطر على رؤوسنا ورؤوس أطفالي ليلاً".

"قل للذي آذاك إن الله لا ينسى" عبارة كتبت على صخرة بالقرب من الشاطئ، تقابل نظرك ولا تفارق ذهنك وأنت تستمع إلى مأساة هذه العائلة!

البث المباشر