قائد الطوفان قائد الطوفان

ألعاب نارية.. متفجرات خطيرة بأيدي الأطفال

ألعاب-نارية
ألعاب-نارية

غزة-تحقيق محمد شاهين

حين تقرر الذهاب إلى سوق اليرموك وسط مدينة غزة، والذي يرتاده آلاف المواطنين كل يوم جمعة، يلفت انتباهك احتشاد العشرات على بسطة "ألعاب نارية ومتفجرة" يبيعها أطفال تقارب أعمارهم أصابع اليد، بأسعار رخيصة تبدأ من نصف شيكل.

فور الوصول إلى هذه البسطة، كان معظم روادها من المراهقين والأطفال، الذين يشتروها بغرض التسلية أو إحداث ضجة تلفت الانتباه خلال الأفراح والمناسبات السعيدة، غير آبهين بتدني مستوى الأمان الذي تفتقده هذه الألعاب الخطيرة، ومدى الضرر الذي تحدثه وقتما تنفجر قبل إلقائها أو حين تكون قريبة من الجسم.

وينجم عن انفجار هذه الألعاب المصنعة محلياً ضوضاء كبيرة، وتتنوع أصنافها في السوق من "مثلثات ورقية إلى خراطيم بلاستيكية يرتفع سعرها طردياً مع حجمها، نتيجة قوة الانفجار الذي تحدثه"، وتعتمد فكرتها على إغلاق المادة المتفجرة بإحكام ويتم إشعالها بواسطة فتيل مشتعل.

مصنّع: صناعة الألعاب النارية سهل لكنه خطير

كان الدافع من البحث عن بائعي ومصنعي هذه الألعاب النارية ذات السعر الرخيص، وصول معد التحقيق إلى عدة حالات أصيبت بجراح بعضها خطيرة نتيجة تفجر هذه المواد بأيديهم أو بالقرب من أجسادهم، نتيجة خطأ في صناعتها أو تدني مستوى الأمان فيها.

الشاب محمود سحويل تعرض لأضرار كبيرة من هذه الألعاب، بعد أن ألقاها أحد معارفه قربه بغير قصد خلال أحد أفراح العائلة، وما هي إلا ثوانٍ معدودة حتى فقد البصر بعينه اليسرى، فضلاً عن تضرر وجهه الذي تعرض لحروق من الدرجة الثانية.

لم يكن يعي العشريني مدى خطورة إصابته كون الجسم الذي أحدث الانفجار بجواره كان صغيراً بحجم أصبع السبابة، إلا أنه تفاجأ بعدها بتشوه وجهه وفقده إحدى حبيبتيه، ليبدأ معاناة كبيرة جراء "الخرطوم المتفجر" الذي اشتراه ابن عمه المراهق بشيكلين من سوق الساحة وسط غزة.

مصاب: تعرضت لبتر أصبعي بعدما تفجرت قطعة بيدي

اعتقدنا في البداية أن بيع مثل هذه المواد المحظورة في القانون الفلسطيني ومن وزارة الداخلية، يتم بشكلٍ عشوائي في الأسواق العامة على البسطات الشعبية المنتشرة بمناطق واسعة من قطاع غزة، إلا أن البحث المتواصل أوصلنا إلى محال ألعاب كبيرة تقوم ببيعها بأسعار الجملة.

واصلنا البحث عن منبع (المتفجرات) المصنعة محلياً، ليقودنا أحد المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، نشره أحد المروجين لها داخل مجموعة عامة تسمى (سوق غزة المفتوح)، إلى أحد مصانعها الصغيرة المتواجدة داخل منزل مواطن بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.

كان الدافع الأساسي من مقابلة "الحوت" أو "الخبير"، كما يطلق عليه أصدقاؤه، أن نتعرف على كيفية صناعتها والمواد التي تحتاجها والكميات التي ينتجها في اليوم الواحد، فادعينا في البداية أننا نريد شراء كمية كبيرة منها.

بائع: لجأت لبيعها بسبب قلة العمل، وتلاقي رواجا في الأفراح

في الحوار المختصر، ومن الآخر كان سعر المثلثات الورقية عند المصنع الذي رفض أن يذكر اسمه يبدأ من (3 أغورات) أي أقل من نصف شيكل، لبيع الجملة، ويزيد ثمنها مع كبر حجمها، أما الخراطيم التي تعتبر أكثر خطورة لقوة انفجارها الذي يزيد عن 10 أضعاف المثلث المتوسط، فإن ثمنها يبدأ من 2 شيكل جملة، شرط ألا تقل كمية الشراء عن 400 وحدة.

يقول مصنعها بعد أن قطعنا على أنفسنا وعداً بعدم الزج باسمه في إطار التحقيق: "إن صناعة مثل هذه الألعاب المتفجرة أمر سهل للغاية لكنه خطير إلى درجة كبيرة، كون المواد التي تدخل فيها شديدة وسريعة الاشتعال، ما يجبره على الانعزال داخل غرفة أعلى منزله مخصصة لذلك، خوفاً من أي خطأ قد يؤدي إلى حريق واسع في بيته على أقل تقدير".

ويوضح الحوت أنه يصنع في اليوم قرابة 500 قطعة متفجرة من جميع الأصناف، تنفد جميعها بعد أن يتم بيعها للتجار المنتشرين في الأسواق والمحلات التجارية في قطاع غزة، إلا أنه يضاعف صناعتها إلى 5 أضعاف خلال شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى، لازدياد الطلب عليها بصورة جنونية-وفق قوله.

ولا ينكر صاحب البشرة السوداء أن انفجار ما يصنعه بقرب جسم مستخدمها، يحدث ضرراً كبيراً وحرق من الدرجة الثانية على الأقل، لذلك يشدد على ضرورة أن يتيقظ مستخدمها عند إشعالها وإلقاءها بعيداً عن المواطنين، وإلا سيحدث ما لا يحمد عقباه-وفق قوله.

كيميائي: قد تنفجر بعد تعرضها للهواء دون وجود شعلة

وعن تعرضه لمساءلة قانونية، ينفي تعرضه لأي ملاحقة أو مساءلة قانونية رغم اشتهاره ببيعها وصناعتها، ويعتقد أن الظروف الاقتصادية التي يمر بها تجعل الشرطة في قطاع غزة تغض الطرف عنه، أو أن ما يصنعه لا يستحق المثول أمام النيابة أو القضاء لمنعه عن ذلك.

ثاني الإصابات التي وصلنا إليها، كانت قد تعرضت لبتر في أصبع الإبهام، بعد أن تفجرت بيديه قطع نارية نتيجة خلل في صناعتها أو في المواد التي بداخلها وفق تصور المتضرر.

يوضح الطالب معاذ عنبر، أن البائع طمأنه عند شرائه بعض الألعاب النارية عن درجة الأمان التي تتمتع به، وأن كل ما عليه هو أن يشعلها ويبقى ينتظر الأشكال الجميلة التي ستخرجها شرط أن يجيد مسكها دون خوف.

وتطبيقاً لتعليمات التاجر، يحكي عنبر "للرسالة"، أن الشعلة أطلقت أولى قذائفها من أصل ثمانية ثم الثانية وفي الثالثة كان الأمر مخالفاً، ليقوم بتحريرها بيده، لتنفجر بصورة مخيفة، انتهى الأمر بحروق من الدرجة الثانية وبتر في أصبعه.

لم يكن عنبر وسحويل فقط من وصلت إليهم "الرسالة"، خلال إعداد التحقيق، إذ أن يد الشاب يوسف شاهين نالت حروقا بالغة، بعد أن انفجرت إحدى الألعاب بيده بصورة مفاجأة.

ويحكي شاهين قصته باختصار بعد أن حاول إشعال مثلث متفجر متوسط الحجم، وظهر أنه غير مشتعل بسبب أشعة الشمس التي أخفت لون الاحتراق، ليفاجأ بعد أقل من 20 ثانية بتفجرها بيده، ويصدم من حجم الضرر الذي تركته بيده.

الصحة: عشرات الإصابات نتيجة تفجر الالعاب النارية

يظهر شاهين حجم الإصابة التي تعرض لها، منذ ثلاثة أشهر وبقيت آثارها واضحة على يده بعد انتشار ما يشبه البهاق عليها، وفي صورة ليده عرضها لنا بعد أيام من انفجارها، كانت يده تشبه القطعة السوداء المتفحمة، ويبين أنه لم يكن يتوقع حجم الضرر الذي يخلفه انفجار هذا الجسم الصغير، وإلا ما كان ليستخدمه البتة-حسب قوله.

وصل معد التحقيق إلى أحد بائعي ومروجي الألعاب النارية والذي يتخذ من إحدى زوايا ميدان الساحة وسط مدينة غزة مكاناً له، ليخبره أن بيعها بطريقة مكشوفة كهذه لا يجعله متخوفاً من مصادرة الألعاب التي يبيعها من قبل الشرطة الفلسطينية، ويرد بالقول إنه سبق وألقى جهاز المباحث القبض عليه ثم تعهد لهم بعدم بيعها بشكلٍ عشوائي، وعاد إلى بيعها دون أن يلتفت إليه أو أنهم تغاضوا عنه.

ويتذرع التاجر الذي يبيعها مع اثنين من أطفاله بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها، كونها تلاقي قبولا واسعا من المواطنين الذين يستخدموها خلال الأفراح ويقبلون على شرائها بكميات كبيرة، لما تحدثه من صوت عالٍ وإنارة.

الشرطة: نلاحق المصنعين والمروجين وأغلقنا "مصانع" مفرقعات

ومع استمرار بحثنا لبيع مثل هذه المواد، تعرقلنا بمنشور آخر على مجموعة سوق غزة المفتوح على فيسبوك، اصطدمنا بعرض أحد المصنعين لبيع المواد المتفجرة بسعر يتراوح بين 40 إلى 80 شيكل للكيلو جرام الواحد، -ما يعني أنه بإمكان المراهقين محاولة صناعة هذه الألعاب المتفجرة، التي ستحدث ضرراً بالغاً.

نقلت"الرسالة" صور المواد المعروضة للبيع لرئيس قسم الكيمياء في الجامعة الإسلامية رامي مرجان، الذي كشف عن طبيعة المواد التي يستخدمها المصنعون في إعداد الألعاب المتفجرة والخطيرة.

يقول مرجان إنها عبارة عن مواد كيميائية شديدة الاحتراق ويساعد على اشتعالها وجود الهواء الجوي والأكسجين، وبالتالي يصبح اشتعالها والانفجار الذي تحدثه غير محكوم وتلقائي، ما يحدث ضرراً بالغاً على مستخدمها الذي لا يعرف بالضبط مدة الوقت أو الاتجاه الذي ستنفجر به ما يجعلها تنفجر بالقرب من يده أو من جسده.

ويبين أن جميع المواد التي يتم صناعة الألعاب المتفجرة منها، هي مواد خطيرة جداً، وقد تنفجر دون وجود شعلة بعد تعرضها للهواء الجوي بعد حدوث عملية أكسدة، ويشير إلى أن معظم المواد التي يتم استخدامها من المصنعين هي عبارة عن المغنسيوم المتفجر والذي يصاحبه اشتعال سريع وخطير جداً، فضلاً عن استخدام الصوديوم الأكثر خطورة في صناعة بعضها.

ويؤكد مرجان للرسالة" أن هذه الألعاب الخطيرة، أصبحت منتشرة بصورة واسعة في قطاع غزة، لسهولة صنعها، واهتمام المراهقين بشرائها، كون انفجارها يحدث صوتاً عالياً بعد ضغط المواد داخل الخراطيم أو الأوراق ويتم اشعالها بواسطة فتيل مشتعل.

ويحذر الكيميائي من أن تقع مثل هذه المواد في يد المراهقين الذين سيستخدمونها استخداماً خاطئاً، وسينتهي الأمر بكارثة لا تحمد عقباها، مطالباً وزارة الداخلية بوضع حد لمثل هذه التجاوزات التي يمنع القانون الفلسطيني من انتشارها أو تداولها وبيعها بين المواطنين.

وبالرجوع إلى القانون الفلسطيني فإن العقوبات المتعلقة بالتداول بالألعاب النارية، كانت وفق النص الآتي:

(وفقا لأحكام قانون تداول الألعاب النارية وحسب المادة 11 من قانون المفرقعات رقم 13 لسنة 1953، يعاقب كل من يتداول بالألعاب النارية بالحبس الذي قد يصل لسنتين، أو غرامة مالية تقدر بمائتي دينار أردني؛ أو الاثنتين معا.

1-في حال أدت هذه الظاهرة ووفقا لمادة "الإيذاء عن غير قصد" خلافا لأحكام المادة 344 من قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960، يعاقب بالحبس لمدة 6 شهور وبغرامة مالية قدرها 10 دنانير أردنية.

2-وفيما يتعلق بالاتجار بالألعاب النارية ووفقا لقانون حماية المستهلك الفلسطيني رقم 21 لسنة 2005، نصت المادة 28 منه بمعاقبة كل من يتعامل بالألعاب النارية بالحبس لمدة لا تتجاوز 3 سنوات، وغرامة مالية تقدر ب 3000 دينار أردني، أو الاثنتين معًا.)

من جانبه، يؤكد د. أيمن السحباني، مدير قسم الاستقبال والطوارئ بمجمع الشفاء الطبي، وصول عشرات الحالات إلى قسمه وبصورة مستمرة، نتيجة تعرضها لقطع في الأوتار والشرايين أو بتر في الأطراف وفقع في الأعين، وحروق شديدة وبالغة، بعد تفجر المواد المصنعة محلياً والألعاب النارية بالقرب من أجسادهم أو في أيديهم.

وينذر السحباني من انتشار مثل هذه الألعاب التي تؤدي إلى مخاطر حقيقية وخطيرة، خصوصاً خلال المناسبات والأعياد والإجازات المدرسية ما جعل عشرات المواطنين يقعون ضحيتها، وتستقبلهم المستشفيات في قطاع غزة، مشدداً على دور الرقابة في التعامل مع مثل هذه الحالات الخطيرة.

ويشدد على أن هذه المواد المتفجرة، قد تسبب الموت لدى كبار السن في حال انفجرت بالقرب من أجسادهم لما تحدثه من توقف للقلب، فضلاً عن أن صوتها المزعج والمرتفع يترك أثراً سلبياً بترويع الأطفال والمواطنين الأمنين في منازلهم.

ويشير السحباني، إلى خطورة وقوع هذه المتفجرات رخيصة الثمن بيد المراهقين والأطفال، الذين يستخدمونها دون الالتفات إلى مبادئ الأمان أو خطورتها، ما جعل معظم المصابين أو جميعهم الذين يصلون إلى المستشفى من هذه الفئات.

ويناشد الجهات المسؤولة ووزارة الداخلية في قطاع غزة، بضرورة محاربتها بصورة كاملة والحد من انتشارها، بعد أن تسببت بأذى مئات المواطنين في قطاع غزة، مشدداً على ضرورة السيطرة المطلقة على بيعها، خصوصاً قبل مجيء شهر رمضان الذي يتضاعف خلاله استخدامها وانتشارها، وبالتالي تتضاعف كمية الإصابات التي تصل إلى المستشفيات.

"الرسالة" نقلت مناشدة السحباني إلى المقدم أيمن البطنيجي المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة، الذي ذكر بدروه أن الشرطة قامت في أكثر من مرة بمتابعة وملاحقة تجار وصانعي المواد المتفجرة الصغيرة والتي تستخدم كمفرقعات في الافراح والمناسبات خصوصاً فئة الأطفال والمراهقين.

ويؤكد أن الشرطة الفلسطينية أغلقت عدد من المصانع والمعامل الصغيرة والمنزلية المعروفة، التي تقوم بصناعة هذه المفرقعات المحلية الخطيرة، موضحاً أنه تم حظر استيراد المواد المستخدمة في صناعتها والألعاب النارية بشكلٍ كامل، إلا أن الصناعة تتم بمواد محلية بسيطة.

ويتأسف المتحدث باسم الشرطة، لعدم التزام عدد من التجار والبائعين بقرارات وزارة الدخيلة والشرطة الفلسطينية، والعودة مجدداً إلى صناعتها وبيعها في السوق، متوعداً بوضع ضوابط والتشديد على بيع الألعاب الخطيرة في السوق المحلي خلال الصيف المقبل.

وطالب بضرورة تشديد عقوبة المتلبسين الذين يتم القبض عليهم أثناء صناعتها أو بيعها، بعد أن تسببت بإصابات في صفوف المواطنين أبرزها فقع في العين وقطع بالأوتار والشرايين وحروق شديدة، داعياً النيابة العامة إلى المطالبة بتغليظ العقوبة على التجار المتسببين في انتشارها.

وبعد استعراض جملة من المخاطر التي تحدق بمن يستخدم الألعاب النارية بإفراط ودون وعي، خاصة مع اقتراب شهر رمضان الذي يكثر فيه تناولها، هنا نقرع ناقوس الخطر ونحذر من المخاطر المترتبة على استخدام هذه المفرقعات لاسيما من قبل صغار السن.
50DD5726-D1C0-43FB-9FA9-B860C24E179E

98F5014A-06A0-4D97-83E6-C57B4CCDACF8

778D9583-03A6-46F4-8B13-1CB715E9BA69

74BCC9BD-E63B-472F-AB30-0756AA31996C

البث المباشر