بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على اتفاقية أوسلو، وفشلها في إقامة الدولة الفلسطينية، جاءت إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب بمواقفها المنحازة تماما إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، دافعة بذلك السلطة الفلسطينية للإعلان عبر كافة المنصات بأن الادارة الأمريكية "أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على أمن واستقرار المنطقة وشعوبها"، متخلية عن سلوكها المعتاد بمجاملة واشنطن.
دوما كان الصمت هو المسيطر على صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين، لكن على ما يبدو اختلفت الأمور لاسيما بعدما أعلن "ترامب" القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، فخرج وقتئذ أنه "لا حديث مع الإدارة الأمريكية، إلا بعد تراجعها عن قرارها"، ثم عاد مؤخرا ليصرح بأن الادارة ذاتها أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار وسلامة المنطقة وشعوبها.
وتابع في حديث تلفزيوني:" لا يمكن أن نسمح للأوضاع بالاستمرار على ما هي عليه، ولا بد لنا من وقفة صادقة مع الذات، فالإدارة الأميركية، أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار وسلامة المنطقة وشعوبها، ونحن جزء من المنطقة وسنواجه خطر هذه الإدارة".
وقبل تلك التصريحات، وقعت حادثة اخرى حينما غادر رئيس السلطة محمود عباس، قاعة مجلس الأمن قبل أن تلقي "نيكي هيلي" مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن كلمتها.
ما تفعله السلطة في هذه الأيام ليس لعودتها إلى الشعب الفلسطيني، بل ربما لأن موقفها أصبح مفضوحا أمام العالم، كونها تلتزم الصمت رغم ما تتعرض له من سلب الحقوق والثوابت الوطنية، عدا عن التوغل الاستيطاني في الاراضي الفلسطينية فهي تغض البصر عن ذلك، وإن تحركت يكون تحركها ببطء وبمستوى لا يلائم حجم المعاناة والصفعة التي تتلقاها من الإدارة الأمريكية و(إسرائيل) ومن يدعم مواقفهما.
منذ تولي "ترامب" للإدارة الأمريكية حسم أبرز ثلاث قضايا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهي "اللاجئين من خلال تقليص المساعدات الأمريكية للأونروا بما يمهد تدريجيا لإلغاء وجودها مما يعني انهاء حق العودة، وكذلك "القدس" حينما أعلنها عاصمة لـ(إسرائيل)، والاستيطان وموافقة الادارة الأمريكية ودعمها لقرارات الحكومة الاسرائيلية.
وعلى ما يبدو فإن حسم تلك الملفات، وقرارات ترامب أشعر السلطة بوجود خطر وجودي يهددها فأصبحت ومسئولوها يقرعون الطبول عبر التصريحات الاعلامية من حين لآخر، لاسيما بعد الموافقة العربية على تمرير صفقة القرن بمعزل عن الحقوق الفلسطينية.
يقول تيسير محيسن المختص في الشأن السياسي:" السلطة بعد قرار ترامب بأن القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، راحت ترفع سقف مطالبها عاليا كردة فعل تجاه ما حدث، فكان موقفها واضحا حينما اعلنت بأن الادارة الأمريكية لم تعد راعيا لعملية التسوية وراحت تبحث عن البديل وأجرت اتصالات مع روسيا والصين واليابان عبر الاداة الدبلوماسية لكنها لم تجد استجابة، بالإضافة إلى أن (إسرائيل) أعلنت بعدم سماحها دخول أي طرف في عملية التسوية غير أمريكا".
وبحسب محيسن، فإن السلطة الفلسطينية أمام معضلة لما يجري بعد فترة من التصريحات واستبدال الاسلوب الذي يستثني الادارة الامريكية بالقول "جاري البحث عن شركاء للإدارة الأمريكية لرعاية السلام"، مشيرا إلى أن السلطة ورئيسها بات لديهم شعور أنهم بالزاوية ولا أحد يساعدهم من دول عربية وأوروبية، فرغم رفض عدد كبير من الدول لقرار ترامب بشأن القدس إلا أنه لا أحد يجرؤ من المصوتين الوقوف ضد أمريكا، وفق قوله.
وأكد خلال حديثه "للرسالة" أن عباس أصبح أمام معضلة إما البقاء على مواقفه ويخسر موقعه السياسي، أو محاولة تحسين محددات الرؤية الأمريكية فيما يتعلق بصفقة القرن لتتلاءم مع متطلبات الفلسطينيين.
ورغم ضعف موقف السلطة الفلسطينية في ظل شبه الاجماع العربي لتمرير صفقة القرن، والدعم الأمريكي لقرارات حكومة الاحتلال بخصوص الاستيطان وغيره من القوانين المعادية للفلسطينيين، فإن أمام "السلطة ورئيسها" أوراق قوة من شأنها الضغط على الإدارة الأمريكية منها التنسيق الأمني ووقفه مع الاحتلال، بالإضافة إلى إمكانية التوجه لمحكمة الجنايات الدولية وتفعيل بعض الملفات، عدا عن المصالحة مع حركة حماس.
وحول ما سبق ذكره، فإن محيسن يرى أن رئاسة السلطة رغم ما تملكه من أوراق القوة، إلا أنها لن تكون قادرة وحدها على مجابهة الموقف الأمريكي، لافتا في الوقت ذاته إلى أن ذلك لا يعني عدم توظيف السلطة لبعض الملفات الضاغطة.
وعلى ما يبدو فإن تصريحات مسئولي السلطة الاخيرة ضد الادارة الأمريكية مجرد صرخة في واد.