ثلاث وثلاثون حبة مع فاصلتين، وبين كل فاصل إحدى عشرة حبة وشاهد، الشاهد هنا شعاع النور الذي استقر في قلب "عدنان" حين وصلته سُبحة من ابنه الشبل الأسير "أنس"!
"كل حبة فيها صنعتها يا أبي وأنا أتذكر كيف كنت تجلس مكاني وتصنع لي المسبحة التي ذكرتني دائما كيف أكون زلمتك"، بعث معها هذه الرسالة فزار الربيع قلب والده مرتين هذا العام!
من يوم وصلته لم تفارق عدنان حمارشة تلك السبحة، يتحسس حباتها كلما مرت أنامله بينها، فيشعر تلقائيًا بأنها شعرة في رأس أنس يمسحها!
لست بخير!
تتكور يدا الأب حولها وكأن قلب أنس يدق بلطف على بوابات الصدر، أو نسمة هواء مرت من أمامه ثم عادت واستقرت، لم يتمكن الأب من وصف مشاعره لحظة استلامه لها، لاسيما بعد ذاك اليوم الأليم بالنسبة له!
يقول والد أنس:" السبحةً كانت حياة بعد عمق ممات بالنسبة لي"، وأضاف:" كنت أنتظر دوري لأتحدث معه عبر الهاتف خلال زيارتنا أنا وأمه له في المعتقل".
أنس الذي تظاهر طيلة حديثه مع أمه أنه بخير ويتحجج بالمرض وأنه جيد ويستطيع القفز والمشي بكل سهولة، تحول فجأة الى ذاك الطفل الذي يرغب بحضن والده حتى يتماسك:" يابا الليلة معرفتش أنام من الوجع".
صارح والده بألمه، وأنينه ليلًا، خشي على قلب أمه، فطلب من والده أن يدعو له لأنه ليس بخير!
أنس ابن قرية يعبد قضاء جنين معتقل منذ أكتوبر الماضي في سجون الاحتلال الإسرائيلي يعاني من مرض "بيرثيز" في رأس عظم الفخذ، وهو مرض يعيق حركته ما يضطره للمثول أمام تعليمات صحية متعددة ليتمكن من قضاء حاجياته في الحياة، الاعتناء الصحي والرعاية الخاصة فقدها في الأسر، بل لاقى اهمالًا طبيًا متعمدًا لأيام متواصلة.
فيروزي!
ما بين لون السماء المائل لخضرة الأرض، لون السبحة فيروزيًا كقلب أنس دائم النبض، تلك الصورة التي نشرها الأب عبر حسابه على الفيس بوك، وقد شعر بأنها أغلى ما يملك، لأنها كانت بلسمًا بعد أسبوع على الزيارة الأخيرة!
"ماتت الحياة في جوفي، حتى جاءت المسبحة فأشرقت الدنيا مرة أخرى" يصف أيامه قبل السبحة وبعدها، ثم تصلنا حالة الرضا التي تسكن جوفه وهو يردد: "ما عدت أتركها ليلا تنام بحضني".
يناجي ولده في الأسر، يضيف يومًا وينقص من وزنه، كيلو جرام أو ثلاثة في يومين، ثم يضيف أنينًا، وقد يبكي وحيدًا، ثم يختم برسالة يوجهها لصغيره أنس: "اليوم أجد قلبي يتمزق من أجلك يا أنس، ومع ذلك إن عدت فلا تُغير ولا تُبدل، اصنع الربيع في قلب الناس كما كنت".