قائد الطوفان قائد الطوفان

"التولينة والكاميرا".. ميراث "هالة" من زوجها الشهيد

"التولينة والكاميرا".. ميراث "هالة" من زوجها الشهيد
"التولينة والكاميرا".. ميراث "هالة" من زوجها الشهيد

الرسالة نت - ياسمين عنبر

لم تخف من حمل الكاميرا منذ صغرها، فقد كانت موكلة بمهمة التصوير في أي مناسبة عائلية وحتى لمة إخوتها، وبمجرد حملها لأي كاميرا كانت تتعرف على أجزائها وإعداداتها سريعًا.

"هالة شحادة (25 عامًا) كانت تؤمن أن الحياة ذكريات، وأن الكاميرا تصنع أرشيف ذكريات لا يمكن نسيانه، فاتفقت وخطيبها المصور "خالد" توثيق كل طقوس خطوبتهما، كالهدايا والرحلات، ما وطد علاقتها بالكاميرا بعد أن وثقا مغامراتهما وتجهيزاتهما للفرح.

وكما كل الحكايات في غزة، أتت النهاية سريعًا بحسابات لم تكن تخطر على بال "شحادة"، حين شب العدوان الأخير على غزة بعد ثلاثة أشهر من زواجها بخالد.

"الرسالة" لمحت ابتسامات "شحادة" على محياها، وهي تتحدث عن السنة التي عاشتها مع زوجها، لكن سرعان ما كانت الغصة حاضرة حين تصل إلى نهاية قصة وبداية قصة أخرى في حياتها بقولها: "واستشهد خالد"!

"شعرت أن أكثر شيء أحبه أفقدني أكثر شخص أحبه"، هكذا باحت "شحادة" بوجعها حين عادت إلى ساعة استشهاد "خالد"، قاصدة "الكاميرا"، حين تحول شغفها بها إلى ألم بمجرد رؤيتها.

فالشهيد خالد حمد بإحساسه الكبير الذي عرف به أراد أن يعد فيلمًا وثائقيًا عن عمل رجال الإسعاف خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فتتبع خطوات المسعفين إلى ميدان عملهم.

أول البصمات في الفيلم أنجزها خالد، لتوثق الكاميرا بعد ساعات استشهاده ليكون المشهد الثاني بل الأخير!

حيث وثقت الكاميرا آخر لحظات حياته حين ألقت عليه طائرة صهيونية صاروخًا هو ورفاقه، وقد سجلت ذات الكاميرا آخر كلماتهم!

بصوت مرتجف: "تركت الكاميرا بعد استشهاد خالد لأكتر من عامين.. كنت تعبانة وموجوعة (..) خالد استشهد وهو حامل كاميرا شغله، فحاولت الابتعاد عن كل مجال التصوير ولمدة كبيرة تحاشيت الإمساك بالكاميرا".

صورة واحدة فقط، كان طلب صديقة "هالة" أن تصورها، فقد كان حلمها أن توثق لها لحظات زفافها، "كان لا بد من كسر الحاجز وقتها"!

فكانت المرة الأولى التي تمسك بها هالة الكاميرا بعد استشهاد "خالد"، كما أنها لأول مرة ترى عروسًا بفستانها الأبيض، حيث ابتعدت عن كل المشاهد بعد أن حرمت من زوجها بعد ثلاثة أشهر فقط من زفافهما.

الصورة التي طلبتها منها صديقتها، ولبت "هالة" نداء قلبها، كانت الانطلاقة لها بعد أن نشرتها عبر تطبيق الانستجرام ورصدت حجم التعليقات والإعجاب من أصدقائها، تسترسل قائلة: "تفاجأت جدًا يومها من طلبات العرائس اللاتي يردن تصويري لهن، فرفضت الفكرة تمامًا، إذ كيف سأقترب من هكذا شيء وقلبي ما يزال مكسورًا".

بعد تفكير كبير أدركت "هالة" أن كسر الحاجز بيدها، وأن لا شيء سيعيد ما ذهب، لتتفق مع نفسها أن جلسة التصوير الأولى ستكون كتجربة.

على مسافة صفر من أفراح الناس ووجعها كانت "هالة"، لكنها تفاجأت بردة فعلها أنها سعادة العروس انعكست عليها إيجابيًا، فانطلقت في السعي إلى الحصول على دعم للمشاريع لصغيرة واستطاعت اجتياز الشروط في أحد المؤسسات وافتتحت استوديو خاص بها.

"استوديو التولينة" أسمته "هالة" لتبقى طفلتها وخالد حاضرة وهي تشق طريقها نحو الانتصار على الألم، حيث التولينة الطفلة التي انتظراها سويًا وقدر لها أن تراها وحدها حيث استشهد خالد وهي جنينًا في أحشائها!

اندهاش كبير كان يصيب "هالة" كما ألم يعتصر في قلبها حين كانت تصور الخريجات، "كنت أبكي وأتمالك نفسي بصعوبة أحيانًا" تقول "هالة"، حيث كانت تنتظر كثيرًا حفل تخرجها ليطل عليها خالد من بين جموع الناس ويراها بثوب التخرج تقتعد المنصة، لكنها في كل مرة كانت تصحو من الحلم إلى واقع الفراق المرير.

كما أن تصوير "الحوامل" كان من الأشياء الصعبة على نفسها، إذ كيف تقترب كثيرًا من أحلام الناس التي حرمت منها هي، والتي اكتملت لهم ولم تكتمل لها كما تقول، حين تركها خالد في أشد أوقات الحمل حاجة له.

رأت العشرينية "شحادة" أنها استثمرت الفرصة هذه بشكل صحيح لصالح "التولينة"، فهي تشعر بالفخر والثقة أنها استطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه متمنية أن تشعر ابنتها بنفس الشعور تجاهها _الفخر_.

على أحد جدران الاستوديو علقت صورة خالد، بجانبها صورة التولينة، بملامح متشابهة تمامًا، يرفعون شارة "رابعة" وكأنها رسالة منهما لهالة "نحن معكِ" وأن "انتصرتِ".

البث المباشر