لعل الحدث الذي لا يزال تفاعله على الأرض ساريًا حتى اليوم هو خطاب محمود عباس الأخير، وأعتقد أنه سيكون الأخير لأن به أخرج الرجل كل ما عنده من حقد وكراهية على حركة حماس وعلى الشعب الفلسطيني وخاصة قطاع غزة.
الرجل واضح أنه يعاني من عزلة دولية من خلال مهاجمته الإدارة الأمريكية وعزلة إقليمية من خلال مهاجمته لمصر وعزلة شعبية من خلال مواقفه من الشعب الفلسطيني وخاصة قطاع غزة التي يتوعدها بأشد العقوبات القانونية والمالية، ولا ندري حتى اللحظة ما سيتخذه عباس من قرارات ضد قطاع غزة، هل سيعلن غزة إقليمًا متمردًا؟ هل سيوقف عمل البنوك في القطاع وقطع السيولة المالية؟ هل سيوقف الرواتب لموظفي السلطة ؟ هل سيقطع الماء والكهرباء والغاز والوقود؟ هل سيوقف إدخال مستلزمات الحياة للمستشفيات ؟ هل سيقطع كل العلاقات القائمة بين تنظيمه في غزة حتى يثوروا ويحولوا غزة إلى جحيم لا يطاق؟ هل، هل، هل كثيرة هي الأسئلة التي تثور هذه الأيام في عقول المراقبين والمواطنين على حد سواء.
ولعل أهم ما يمكن أن يقال في خطاب عباس إنه لا يليق في المحتوى واللفظ بالمكانة التي عليها الرجل السياسية لا بشتمه لرئيس الدبلوماسية الأمريكية في الكيان ولا باعتباره من يتحدد عن طرفي الانقسام بالمنافق ولا بتلك العبارات المتعلقة بالكنادر والصرامي التي سينزلها على رؤوسهم.
ولعل الأخطر هو البكائية على المشروع الوطني، هذا المشروع الذي يتعرض للخطر وهو ما دفع حركة حماس نحو المصالحة وتقديم ما قمت من تنازلات عده البعض ضعفًا أو هروبًا أو محاولة للتسليم، ولكنها من وجهة نظر حماس هي من أجل حماية المشروع الوطني المتآكل نتيجة سياسات كثيرة على رأسها سياسة عباس في التعامل مع القضية ومحاولة إنقاذه من مستنقع التفريط والعودة إلى حضن الشعب الفلسطيني.
ولو كان عباس بالفعل حريصًا على المشروع الوطني لكان له مواقف مخالفة لكل مواقفه السابقة للتفجير الذي حدث في نهاية موكب الحمد لله وبعد أيضًا، وهنا يثار السؤال لماذا لم ينتظر عباس نتائج التحقيقات التي تجريها الداخلية في التفجير والتي تشير التقديرات الأولية أن لديها ما تقوله في هذا الأمر، وأن قولها كان متوقفًا على قرار منه ومن رئيس وزراءه للتعاون مع لجنة التحقيق لا اعتبارها غير شرعية لأن الحدث خطير ويهدد المشروع الوطني.
استباق عباس لاتهام حماس بالمسئولية المباشرة عن التفجير يشي بشيء في عقل عباس بعد تلقيه المعلومات من رامي الحمد لله التي يوصلها مدير الأمن الداخلي في غزة له أولًا بأول واطلاعه على مجريات التحقيق ونتائجه، وعليه أراد أن يستبق النتائج حتى لو أعلنت وكانت تشير إلى جهة ما لها علاقة برام الله أو السلطة عندها سيقول المطبلون هي ردة فعل على اتهام عباس لحماس بالمسئولية عن التفجير وهي اليوم تريد أن ترد عنها الاتهام لتتهم أطرافًا في السلطة عن التفجير ونبدأ بموجهة من الردح والاتهامات المتبادلة رغم وجود معتقلين ومعترفين بالواقعة بغض النظر عما اعترفوا به وأقروا.
وسؤال لماذا لم يستجب رامي الحمد لله بإرسال فريق من رام الله لقطاع غزة للمشاركة في التحقيقات الجارية حول التفجير حتى تكون اللجنة مشتركة بين رام الله وغزة، وهذا يطرح أمرًا وهو هل النية مبيتة لاتهام حماس بالمسئولية للهروب من المصالحة ولاتخاذ الإجراءات العقابية ضد غزة والعمل على فصلها عن بقية فلسطين تمهيدًا لصفقة القرن التي يتحدث عباس كثيرًا عن رفضها.
المشروع الوطني الذي يتباكى عليه عباس يلزمه بتحقيق الوحدة وتحقيق الشراكة وتعزيز التواصل مع الكل الفلسطيني لا التفرد واستمرار سياسة الاقصاء واعتبار كل الفصائل والقوى الفلسطينية بأنها منافقة ولا تستحق النظر إلى ما تقول وأن على الكل الفلسطيني أن يأتي إليه.
نعم يبدو أن عباس قطع الطريق على الجميع وهو ماض في طريق عزل غزة لتمكين صفقة ترامب من التحقق على الأرض؛ ولكن نقول عباس هناك من سيقف في وجه صفقة ترامب وسيتصدى لها وسيفشلها وعندها سيسجل عليك التاريخ أنك لم تكن يومًا وحدويًا ولا وطنيًا بل مفرطًا متنازلًا متعاونًا مع الاحتلال والإدارة الأمريكية.