"كيف لحلم في منام أن يكون سلوى لحزين، وكيف لرؤيا أن تطبطب على قلوبنا وتربت على أكتافنا فنمضي بعدها مطمئنين!"، بهذه الكلمات استهلت ناهد عصيدة زوجة الشهيد مازن فقهاء حديثها بعد عام من الفقد.
فبعد أيام عصيبة مرت على ناهد، لم تجد سلوى لحزنها الذي يعصف بها، حين كانت تمر بفترة قاسية ستحدد مصيرها وأولادها، إلى أن جاءها مازن في رؤيا وفقع بالون حزنها فأذهبه!
عند مسجد الكنز بغزة كانت تقف ناهد وحمل الحياة الذي تركه لها "مازن" يرهق أكتافها ويعكس شحوبًا وملامح حزينة على وجهها، فاقترب منها وسألها "ما الذي يسكن الحزن في وجهك؟"، لترد عليه أنْ "تعب الحياة وشوقها له وغيابه"، فمشي قليلًا ثم لفت "مازن" نظرها إلى "بالون رمادي" كبير كان يخيم فوقها وبمجرد اقترابه منه فقعه.
غيمة الحزن التي كانت تخيم على "ناهد" ذهبت "تمامًا" كما تقول لـ"الرسالة" بمجرد إعلامها بهذا الحلم الذي رآه أحدهم في منامه، لا سيما حين أخبرها أن "مازن" كان يردد لها بعد فقعه للبالون: "هذا الحزن كله سيمضي يا ناهد"!
"ناهد" ابنة جبل النار وزوجة الشهيد مازن فقهاء كانت ضيفة "الرسالة" في ذكرى استشهاده الأولى، والتي رددت مرارًا أثناء الحديث "أنا امتداد لمازن وهو بدأ طريقًا وأنا من سيكمله".
"امرأة من وطن" هاشتاج أطلق في الحادي والعشرين من مارس، تحدث فيه الجميع عن نساء فلسطينيات ناجحات وصامدات، ولكن حين تستمع إلى ناهد تود لو تكتفي بقولك: "ناهد عصيدة.. امرأة من وطن" وتنهي الحديث!
عام مر على زغرودة طلبتها ناهد من أمهات الخريجين أن يسمعوها إياها، والزغرودة الأخرى يوم استشهاد "مازن"، كما أن عامًا كاملًا مرَّ وما يزال بيت العزاء مفتوحًا كما تحكي "ناهد"!
حيث لم يتوقف بيتها عن استقبال الغزيين الذين احتضنوها، ابتداء من لحظة تهنئتهم لها باستشهاده إلى مباركة صمودها يوم ذكراه الأولى، مرورًا بشهر رمضان والعيدين واستقبال أهلها حين أتوا من نابلس ووداعهم.
بصعوبة كبيرة استطاعت "الرسالة" الحديث مع "عصيدة" في يوم ذكرى استشهاد "فقهاء" الأولى، وذلك بسبب تجمهر المهنئين لها على ثباتها وصمودها يومها.
"كان يومًا متعبًا لكِ نقدر ذلك"، قالت مراسلة "الرسالة" لناهد، لكنها تفاجأت بردها: "لم أشعر بذرة تعب حين يكون الأمر متعلقًا بمازن، فحديثي عنه يجعل قلبي يرقص فرحًا".
على مرِّ عام كامل و"ناهد" كانت "ملهِمةً" لكثير من زوجات الشهداء والأسرى اللواتي عصف بهن غياب أزواجهن، لكن الملهِمة لها كانت "زوجة نصر جرار".
فكلمة طفلها "محمد" وهو يردد "أنا الشهيد محمد ابن الشهيد مازن" أصبحت تسعد "ناهد" بالرغم من قسوتها، حين رأت الصمود في عيني "جرار" يوم استشهاد ابنها لحوقًا بزوجها الشهيد والمطارد والأسير.
فجرار لم تبعد أبناءها عن ساحة الجهاد بمجرد فقدها لزوجها وتجرعها مرارة غيابه، بل غرست حب الوطن في قلوبهم، فكانت قدوة لناهد.
"سما ومحمد" كانا هما غرس "مازن" في حياته، كما أنهما كانا الأمانة التي تركها لها، تحكي "ناهد" لـ"الرسالة": "لم أوقف حياتي بمجرد رحيل مازن بل حاولت وسأبقى كي أستمر وأبنائي في الحياة التي حلم مازن أن نصل إليها في وجوده".
"لم أفقد مجرد زوج"، تقولها "عصيدة" حين كانت تسرد عن الجمال الذي أمدها به "فقهاء" في السنوات الست التي عاشت معه، وتكمل: "أنا فقدت السند والزوج والأخ والصديق والأم"، وتنهي: "مازن كان كل عائلتي".
ورغم كل ما عصف بها من غربة للأهل والوحدة التي شعرت بها خلال هذا العام كون أهلها وأهل زوجها ممنوعين من المجيء إلى غزة، إلا أنها بكل سعادة تردد: "فرِحة جدًا لأني كنت أنا زوجة مازن وامتداده في الحياة".
وفي كل مرة يزورها "الضعف" تسندها كلمات "مازن" وتقويها الدروس التي تعلمتها في "مدرسته"، حيث كان "الحكيم" بنظرها كما الطبيب الذي يفهم العلاج لأوجاعها، وما يزال كما تقول.
ورغم الثبات التي يظهر على وجه ناهد كما السعادة البادية عليه حين تتحدث عن ذكرياتها مع "مازن"، إلا أن غصة بانت على صوتها حين باحت لـ"الرسالة" عن حزن انتابها قبل أيام.
فحين مسكت بيد طفلها "محمد" لتسجله في المدرسة، تمنت لو أن يد "مازن" تشابكت بيدها ويد محمد، وتخيلت السعادة التي ستنتابه بمجرد أن يطأ أعتاب المدرسة وهو يرى ابنه يكبر أمام عينيه في يوم منتظر له ولها، لتصحو من تخيلها على واقع الفراق!