قائد الطوفان قائد الطوفان

زياد وحماد.. شهداء الحقيقة يدفعون فاتورة وأد الفتنة

الشهيد والحواجري وأبو سويرح
الشهيد والحواجري وأبو سويرح

الرسالة نت - محمد بلور

كل شيء في قصة الشهيد زياد الحواجري مثير للاهتمام بدءًا من ابتسامته الدائمة وصولاً إلى رؤيا سبقت رحيله بأيام وحديث غير معتاد مع زوجته أوصاها بتغيير اسم ابنه الصغير بعد استشهاده.

عندما دخلت إلى ثلاجة الموتى لأصور جثمانه وجدت إلى جواره صديقه الحميم سرحان الحواجري أكثر المقربين إلى قلبه فهو ليس ابن عمه فقط لكنه أخ وصديق يجده متى طلبه-كما يقول.

وكان الحواجري ويحمل رتبة رائد في الأمن الداخلي استشهد الخميس الماضي برصاص ثلاثة مطلوبين لوزارة الداخلية عندما فاجأوه بإطلاق النار في مقبرة (الشوباني) غرب النصيرات خلال تفقده للمكان.

رفيق الجمعة

يوم الجمعة وأحياناً السبت يمضي سرحان وزياد معظم ساعتهما سوياً وكثيراً من يصطحبون أطفالهما ويخرجان في نزهة عائلية عدا هذه الجمعة لم يجد سرحان من يحدثه فتوجه إلى قبره وأجرى حوارا خاصا.

يقول سرحان: "ابتسامته الشهيرة تخفي طيبة قلبه فهو متسامح مع من يسيء إليه وهناك سرّ عنه أحمله، أنه كان مريضا ويخشى الموت بمرضه وألا يستشهد، كل جمعة أذهب له ونتحدث لكن الجمعة لم تكن ذهبت لقبره وتحدثت فلم يجبني فأجهشت بالبكاء".

قبل عشرة أيام من استشهاده رأى في منامه صديقه الشهيد محمد خليفة وقد مرت أعوام وهو حزين على فراقه لكنه في الرؤيا احتضنه ودعاه للحاق به.

جرح جديد

انضم إلى مخزن أحزان زوجة زياد جرح جديد بعدما فقدت شقيقين شهداء وقبل أيام أخبرها زياد أنه سدد كافة ديونه وأن أجله اقترب وأوصاها أن تبدّل اسم ابنه الصغير بعد استشهاده على اسمه حتى لا ينقطع ذكره في البيت.

تقول للرسالة: "أنجبت منه مصعب ومعاذ وحنين وجنى، أقول لمن قتله أين ستصلون؟ ألا يكفي حصار ودمار غزة؟!، سأربي أولادي على قتالكم فغزة لا تريد أمثالكم، لم أرَ مثل حنان وكرم زوجي(...) طفلي عمره 10 شهور استيقظ اليوم يضرب رأسه ويبحث عن والده.. حسبنا الله ونعم الوكيل".

أما والدة زياد الحاجة (أم عاطف) فترى أن من قتل ابنها هدفه تخريب الأمن بغزة متمنيةً له تجرّع الحسرة التي تجرعتها بعد استشهاد زياد الذي راقبته سنوات طوال قارئاً للقرآن متمنياً الشهادة.

ويتجرّع علي الحواجري شقيق زياد حزنه ملخّصاً موقف عائلته قائلاً: "أخي مضى خلال أداء واجبه الوطني وقد كان قبل استشهاده بدقائق يوزع أفراد الأمن لمهماتهم لكنه تعرض لإطلاق نار غدراً بطريقة لا تخدم إلا الاحتلال وأعوانه".

ولا يذكر محمود الحواجري عمّ زياد أنه اختلف معه يوماً بل أبدى له كامل الاحترام وداعبه كثيراً بالقول (أنت عمّي تاج راسي)، مشدداً أن زياد عاش حياته في المسجد وقضى بريئاً برصاص فئة خارجة عن الصف الوطني.

ويخيم الحزن على مسجد الشهداء بعد رحيل الشاب زياد الحواجري صاحب الابتسامة الدائمة الذي لا يفارق القرآن ولا يترك مسبحته الشهيرة حتى في أدق اللحظات.

طالب رضى أمه

لم ينقطع طلب الشاب حمّاد أبو سويرح اليومي من والدته أن تدعو له بالرضى حتى ساعات سبقت فراقه الحياة برصاص مطلوبين متورطين في تفجير موكب رامي الحمد الله رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية.

وكان الشهيد حمّاد يعمل ملازماً في قوى الأمن الداخلي بقطاع غزة استشهد برصاص مجموعة من المتورّطين في تفجير موكب (الحمد الله) غرب مخيم النصيرات عندما كان يدعوهم للاستسلام فبادروه بإطلاق نار مباشر عن قرب.

يعدّ د.أيمن أبو سويرح رئيس بلدية الزوايدة حمّاد من أشهر شبان العائلة الذي تمتع بعلاقات اجتماعية وحضور كبير بين نشطاء العمل الوطني وحتى لعبة كرة القدم.

ويضيف: "آخر ولد أنجبه أسماه جمال على اسم جمال ابن خالته الذي استشهد برصاص أحد الخارجين عن القانون عام 2007 وهو شاب من بيت متواضع يمضي وقته بين مهنته والعمل في مزارع الخضروات والدواجن".

وروى أحد شهود العيان للدكتور أبو سويرح أن حمّاد شاهد خلال بحثه عن المطلوبين آثار أقدامهم في مقبرة (الشوباني) وفجأة ظهر 3 مسلحين وأطلقوا النار فاغتالوا الشهيد الحواجري قبل أن يدعوهم حمّاد لتسليم أنفسهم فقتلوه.

في منزل متواضع يغلب عليه سمت الالتزام الديني نشأ حمّاد أكبر أشقائه الخمسة فكان الأب الثاني لإخوته وأخواته اللواتي قضى اثنان من أزواجهما شهداء في حرب حجارة السجيل عام (2014) فكان خير مؤنس ومعاونا لهن.

تتوشّح والدة حمّاد بغطاء رأسها بين النسوة اللواتي جئن لتعزيتها لتؤكد أن من قتل ابنها لا يخدم إلا الاحتلال وأن الإسلام بريء من أفعال الخارجين عن القانون.

وتضيف: "ابني يطلب دعوتي بالرضا عنه كل يوم ولا يتركني أفعل شيئا بيدي إلا ويخدمني وهو دائم الاهتمام بشئون الأسرة ومداوم على زيارة شقيقاته اللواتي استشهد أزواجهن في حرب عام 2014".

في الصباح والمساء يتردد حمّاد على والدته مقبلاً يدها ومكرراً طلبه اليومي بدعوة الرضا وفي آخر ساعات من عمره أخبر والدته انه ذاهب للعمل عند السادسة صباحاً وطلب منها إعطاء طفله مصروف المدرسة ففعلت.

وتتابع:"كنت دوماً وأنا أتابع حبه للشهادة، اللهم شهادة بلا عاهة في جسده، واليوم أودعه على يد أشخاص يخدمون الاحتلال ولا ينتمون للإسلام وإلا لما قتلوا شابا مسلما مثله".

حنان الأب

تبدو زوجة حمّاد مقلّة في التفاصيل ففراق زوجها يعني فراق خير سند لها في الحياة وأكثر إنسان حناناً على أطفالها حتى منها نفسها-كما تقول.

أنجبت منه ثلاثة أطفال أكبرهم في الصفّ الثاني الابتدائي ثم طفلة عمرها خمس سنوات وآخرهم لازال في شهره السادس وهو دائم الانشغال والاهتمام بهم يلعب معهم ويرفض معاقبتهم، قائلاً: "لن أضربهم حتى يتذكروا حناني عليهم".

وتتساءل عن جريمة قتل زوجها مضيفة:" هؤلاء الفئة الضالّة التي قتلت زوجي لماذا لم ترفع السلاح في وجه الاحتلال؟!، ألا يعرفون كم يعاني الشعب وهو يقاوم عدوه.

قبل أربعة أيام من رحيل حمّاد عن الدنيا زار شقيقه مصطفى وتبادل الحديث معه عن أخلاق وسماحة الإسلام وأدب التعامل مع الناس وهو يردد دوما (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة).

يقول مصطفى: "كان خير سند لنا في الأسرة، تكفّل بنفقات كثيرة من تكاليف زواجي قبل 9 أشهر، دائماً كان مشتاق ويمتدح الشهداء من عائلتنا جهاد ومحمد عزات وكذلك جمال أبو سويرح".

ويؤكد وائل أبو سويرح صديق الشهيد إن حمّاد قبل أسبوع من استشهاده سأله أحدهم عن طفل يرافقه وقد كان هذا الطفل ابنه فأجاب بشكل مفاجئ: "هذا الطفل هو ابن شهيد" ومما زاد مشاعر وائل بقرب رحيله آخر ليلة من حياته هو إصراره على إحضار طعام العشاء ودعوة والدته بتناول الطعام سوياً.

البث المباشر