قائمة الموقع

مقال: إني لأشم ريح قريتي بيت دراس

2018-03-29T14:40:43+03:00
كتب: سميرة نصار

ومن يستطيع أن ينسى مشهد أم أحمد في مسلسل التغريبة الشهير وهي تغلق باب بيتها مغادرة قريتها عنوة من جبروت المدافع الصهيونية ومن ثم تحفظ مفتاحها بجانب ذاك القلب الذي التمست منه الأعذار فحب الوطن يسبق كل حب بعد حب الله. وتتمتم لخفقان قلبها "همه يومين وراجعين".

ولكنها ظلمة الغربة الكالحة التي غلبت كل شمس فأحلام أهلها تحطمت وسحابات يأس حملت ذروة الشؤم لتسقطه دمعاً ودماً.

لجوء وفقر، وفقدان خلان، وشتات الكثيرين، ومخيمات زرقاء قبع فيها سادة الأقوام قبل ضعفائها ورفض وطني قاطع لتطويب حصصهم من ذاك المخيم البائس لأنهم مازالوا يتنفسون بتلك الوعود اللئيمة بأنها مجرد يومين وسيجتمع العربان لطرد الاحتلال الصهيوني ويعودون بنفس الفاتحين لمدنهم وقراهم وإرثهم وفي أول شتاء في غربة المخيم وبرضى المقهور يسمح اللاجئ باستبدال خيمته ببيت من الطوب المسقوف بصفيح وهو ما يسمى بـ(الزينقو) ففصل الشتاء كان ضيفا ثقيلا قلع كل ممتلكات اللاجئ وهي تلك الخيمة اللعينة التي كانت باكورة تاريخ المَهان وليرسل بأبنائه لمدراس وكالة الغوث ليكبر التلميذ اللاجئ الصغير، ويصبح مدرس الجيل الذي بعده في ذات الغرفة الصفية التي تتلمذ فيها وما زال والده يذكره بين فينة وأخرى أنه سيكون المدرس الرائد في قريته أو مدينته عند العودة.

ولازمه كرت التموين في حضره وسفره ليثبت حقيقة لجوئه وهويته ويقيه من الجوع والعراء ويعيره بعضا من الدواء عند المرض.

طالت الأيام وغادر الكثيرون من مالكي تلك المفاتيح الثمينة كمفاتيح قارون التي تنوء بالعصبة أولي القوة غادرت أرواحهم وأكفهم تقبض على ذاك الماضي من مفتاح أو كوشان أرض. انتظروها كثيراً ولكنها تأخرت.. العودة هِي.

هي تأخرت والزمان تغير ولم يعد في التاريخ أي انسياب زمني فثورات وكوارث وحراس زمن أشبه بلصوصه وأصبحت الخيانة ثقافة والنشوز الوطني ألصقوه بأسماء اولئك الأوفياء فهم المحاصرون والمطاردون لأنهم العقدة في طريق الصفقات الآكلة لحقوق الحياة والأرض والحرية والحدود والعودة.

أصبح حلم العودة بعيدا عن الآمال والأمنيات عند الكثيرين فمن مكر الماكرون على تلك القضية وثوابتها أن حولت أقصى متطلبات الانسان رغيف خبز ممزوجا بكرامة وطن.

 وما بين زمن الراحلين والمنكوبين وزماننا نحن المتنظرين يبقى حلم العودة يلوح كل ليلة على وسائد الحالمين، ليجد أحدهم في ليلة هادئة أنه جزء من مشروع العودة الكبرى وأن هناك أملا ليلتقي المفتاح ببابه حتى لو أن صدأ الأيام غير ألوانه.

 فمسيرة العودة مشروع استراتيجي فلسطيني نخبوي بامتياز حرك الأفكار التي سكنت، وأحيا الأحلام التي ماتت على صخرة الانتظار. جاءت مسيرة العودة وسط انسداد في كل الآفاق المتشعبة لهذا يراها الحالم العائد بأنها الضوء في بيت قديم مكفهر.

فلا معاذير امام خروج كل وطني حالم ليلحق بقافلة العودة لن نسمح لقواسمنا الوطنية أن تُقسم في هذا المسير، نود ان نرى صورا من التعدديات المختلفة التي طالما شح واقعنا علينا برؤيتها، الأجيال والثقافات والفلسفات والانتماءات والأديان والأحزاب ستوحدهم مسيرة العودة ليكونوا أبطال أدوارها المختلفة فلتسقط كل الأجندات وتبقى أجندة الوطن، فلندع ضمائرنا تستمع هذه المرة الى نداء الوطن، فقط نداء الوطن، سنواجه الحدود والحصار بسلميتنا وحقنا وحلمنا.

لن نتوسل للزمان بأن يعيد لنا ما مضى ولكن سنأمُر المستقبل بأن يكون لنا لا غيرنا.

فإني لأشم ريح روابي قريتي بيت دراس.

اخبار ذات صلة