قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: فيتو فلسطيني على صفقة القرن

محمد ياسين
محمد ياسين

محمد إسماعيل ياسين

مجدداً، سطرت جماهير الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يوم الجمعة، ملحمة عكست مدى تعطشها للعودة إلى الديار واستعدادها لبذل التضحيات، مترجمة بذلك رفضها المطلق لصفقة القرن الأمريكية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، ومتمردة على عقود الهجرة القسرية، مفضلة قرع أجراس العودة، ومعلنة مفارقة مربع انتظار إنصاف المجتمع الدولي، ومبتعدة عن التعويل على الموقف الرسمي العربي الذي انتقل من مربع الخذلان إلى دائرة التواطؤ والتآمر الواضح.

لا يختلف اثنان أن مسيرات العودة التي شارك فيها الصغير والكبير واللاجئ والمواطن، نجحت قبل انطلاقها، إذ فرضت نفسها على أجندة مختلف الأطراف المحلية والإسرائيلية والإقليمية والدولية، بل إنها باتت الشغل الشاغل حتى للأطفال في قطاع غزة وسط تنافس محموم بينهم على المشاركة والتقدم أكثر في مواجهة جنود جيش الاحتلال المدججين بأسلحتهم الحديثة التي عجزت عن ستر عورة نفسياتهم الواهية، وعزائمهم الخائرة في مواجهة شعب أراد الحياة رغم كل صنوف الحصار الممتد لأكثر من عقد.

ومن أبرز نجاحات مسيرات العودة، أنها تجاوزت خلافات الفصائل، وقفزت عن مناكفات الانقسام البغيض، وحلقت في الفضاء الوطني الرحب، وجمعت مختلف الأطياف والشرائح على كلمة سواء، إنها العودة، ولا شيء غير العودة، مثيرة بذلك حنق الاحتلال وأعوانه الذين تبخرت أحلامهم بسيادة مشهد الانقسام والمناكفات الفلسطينية الداخلية، إذ إن الانقسام حالة طارئة على الشعب الفلسطيني، وهو صناعة إسرائيلية بحتة يعمل صانع القرار الإسرائيلي وداعموه ليل نهار من أجل إدامتها باعتبارها بيئة مثالية وتربة خصبة لمواصلة نهب الأرض في الضفة الغربية المحتلة واستمرار الاستفراد بمدينة القدس المحتلة.

إن مسيرات العودة عكست مدى الالتفاف الشعبي الفلسطيني حول الثوابت الوطنية، وأبرزت مدى الإصرار الفلسطيني على رفض مشاريع التوطين وحلول التصفية المفصلة على المقاس الإسرائيلي، محطمة بذلك أوهام الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب الذي منى نفسه بفرض الحلول على الشعب الفلسطيني، محاولاً ابتزازه وإرهابه بشتى الوسائل، غير أن مسيرات العودة شكلت فيتو شعبيا فلسطينيا على مؤامرات التصفية.

كما أن مسيرات العودة أجادت وأعادت رسم المشهد الحقيقي لطبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهو صراع يخوضه شعب حر أبيّ يواجه أبشع استعمار في العصر الحديث، ويطمح لتقرير مصيره أسوة بشعوب العالم الحر، ويأبى الخضوع والركوع والتفريط بحقوقه رغم حجم التآمر والإرهاب الممارس بحقه، متحدياً بذلك حرب التجويع والتركيع.

ومما لا شك فيه، أن مسيرات العودة أعادت تصحيح البوصلة الفلسطينية، فارضة الحقوق والثوابت الوطنية على سلم الأولويات التي اجتهد الاحتلال وأعوانه على تبديلها، ليكون الحصار وأزمات قطاع غزة المتتالية سيدة الموقف، لاسيما الكهرباء والرواتب والمعابر وغير ذلك كثير، فجاءت مسيرات العودة لتعيد ترتيب الأولويات بالمنطق الوطني الصرف، متعالية على عذابات الواقع الأليم.

إن ترسيخ حق العودة في وعي الأجيال الفلسطينية من أهم المكاسب التي أنجزتها مسيرة العودة، ولا اكشف سراً أن حماس ولدي عبد الرحمن ذو الأعوام العشرة فاق حماسي للمشاركة بالمسيرة، بل إن طفلي الصغير أرهقني بالأسئلة حول المسيرة، لهذا وغيره، يجب أن تتواصل الجهود من أجل ضمان استمرار مسيرة العودة، بل ومضاعفة الجهود أكثر وأكثر، فالمعركة مع الاحتلال الإسرائيلي متواصلة ومستمرة، ولا شك أن الاحتلال يراهن على عامل الوقت لانفضاض الجماهير عن مسيرات العودة، وهذا ما ينبغي مجابهته عبر برنامج عملي للتحشيد الشعبي، وإنا لعائدون طال الزمن أو قصر.

البث المباشر