تمثل مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت الجمعة الماضي علامة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، خاصة أنها نوع جديد من الحراك في قطاع غزة يؤصل لمرحلة مقبلة تحرج الاحتلال في ظل حراك سلمي متناغم مع القانون الدولي.
"الرسالة" حاورت زاهر بيراوي رئيس اللجنة التنسيقية الدولية لمسيرة العودة الكبرى لتقيم مسيرات العودة والحديث عن المراحل القادمة، والدور المنوط بهم في محاكمة المعتدين على الشباب العزل في المناطق الحدودية.
يوم تاريخي
وعن المسيرات قال بيراوي إن الجمعة الماضي كان يوما تاريخيا بامتياز لأن الشعب في قطاع غزة قال كلمته وأكد أنه صاحب القرار.
وبين أنهم رغم التضييق والمؤامرات إلا إنهم مازالوا يؤمنون بالعودة والتحرير وإقامة دولتهم على أرضهم، مشيرا إلى كل المؤامرات تكسرت على صخرة الصمود لدى الغزيين.
وبحسب رئيس اللجنة التنسيقية الدولية لمسيرة العودة الكبرى فإن المسيرات أكدت للعالم أن الشعب الفلسطيني لا يمكن تجاوزه ولا يمكن لأي جهة في العالم اتخاذ القرار بدلا عنه، موضحا أن ما جرى نوع جديد من الحراك الشعبي المقاوم وهي مرحلة جديدة من المقاومة.
وذكر أن التخطيط للفعالية قائم على التميز والاستمرارية ليصبح حراكا شعبيا متصاعدا إلى حين تحقيق حق العودة بشكل حقيقي، مشددا أن الفعالية لا تهدف لتحقيق مكاسب سياسية آنية بل أهدافها استراتيجية.
وبين بيراوي ما يميز الحراك أنه جاء بطريقة سلمية تضمنها القوانين الدولية ومقررات الأمم المتحدة وعلى رأسها قرار 194، مبينا أنه حتى شعار المسيرة راعى البعد الدولي والقانوني.
ويشير رئيس اللجنة التنسيقية إلى أن الحراك مقبول من القوى الدولية ويحرج الاحتلال، كونه يستند للقوانين التي تتمثل بالتظاهر ضد الاحتلال بمئات الآلاف من المتظاهرين ضد الاحتلال للمطالبة بقرار دولي عجزت الأمم المتحدة ذاتها عن تنفيذه.
مقبولة دوليا
وقال بيراوي إن الفكرة كانت بالبدء في قطاع غزة لأنه يحوي 80% من سكانه لاجئين ولأن الفصائل الموجودة في القطاع هي ذات قناعة بالمقاومة وتركز على الثوابت وتدعم المشاريع، موضحا أن الفكرة لم تكن مقتصرة على القطاع بل يوازيها حراك في الضفة واراضي الـ48 والدول المجاورة وعواصم عربية وغربية، ويتدرج الحراك من الجمعة حتى 15 مايو الذكرى السابعة للنكبة.
وبين أن اللجنة قررت خلال الفترة خلق مناخ سياسي دولي عبر إيصال رسائل إعلامية وحكومية لدعم حق العودة، مبينا أن ما حصل يوم الجمعة الماضي فاق التوقعات وحرق بعض المراحل النظرية للجنة الدولية.
في المقابل يؤكد بيراوي أن المشهد العام والحشد أدى إلى حالة ارباك لدى الاحتلال ظهرت في تصريحاته، لافتا إلى أن الاحتلال يتعامل بفوقية مع القانون الدولي لذا أعطى نفسه حق التعامل بعنف مع المظاهرات لشعوره أنها غير شرعية بالعرف الدولي.
ويعتقد أن الاحتلال أراد من العنف تخويف الفلسطينيين كي لا يعاودوا الكرة مرة أخرى، لكن الرسالة كانت واضحة من المشاركين في المسيرة والمجتمع المدني والمؤسسات الحزبية والقوى السياسية أنها مصرة على خطواتها ليس في القطاع بل ستتوسع لتشمل كل العالم.
***غزة دائما في المقدمة
وحول تقييم بيرواي للمسيرات المساندة التي انطلقت بالضفة الغربية ودول اللجوء الأخرى قال إن المسيرات في الضفة والـ 48 كانت معقولة وضمن التوقعات في ظل الظروف السياسية التي تحكم الوضع كالاحتلال والمستوطنات والتنسيق الأمني وعدم رغبة السلطة بالمواجهة مع جيش الاحتلال.
وتابع: في لبنان حصل العديد من الفعاليات الثقافية والندوات ضمن حراك العودة إلا أن الفلسطينيين لم يتمكنوا من الوصول للحدود لأن هناك قرارا لبنانيا رسميا بعدم السماح لأي جهة الاقتراب من الحدود والجيش وضع نقاطا بعيدة عن الحدود، موضحا أن الظروف العربية غير مواتية لذا كان القطاع هو الأنسب لانطلاق الفعاليات.
وبين أنه مازال هناك 6 أسابيع ستتدرج فيها الفعاليات في الخارج خاصة في ظل سخونة الوضع والتحشيد والفعل السياسي حتى الوصول إلى 15 مايو موعد العبور من قبل الجماهير، لافتا إلى أن هناك حراكا مستمرا لتفعيل الحراك في الخارج.
وذكر بيراوي أن القطاع لا يضيره إن لم يقدم العالم نفس القدر من التضحيات فهو دائما في المقدمة والتاريخ يعلمنا أن الأوطان لا تحرر دون اثمان.
ويشير بيراوي إلى أنه من الضروري تحشيد الجماهير خلال الأسبوعيين القادمين قبل انعقاد الجامعة العربية لإظهار أن الشعب لم ينه مسيرة العودة حتى تحقيق العودة.
ويؤكد أن هناك حملات تعبئة لتبقى الراية مرفوعة ويخرج الناس بنفس الحماس أكثر من مرة، مبينا أن الدماء التي سالت ستجبر الضفة المحتلة والشتات على التحرك بشكل يليق بالدماء التي اريقت في القطاع، خاصة وان الشعب لا يملك خيارات كثيرة لذا يجب المضي في طريق العمل الوطني لاستعادة الحقوق.
**محاكمة مطلقي النار
وعن سقوط الشهداء في المسيرات السلمية وكيف نظر لذلك العالم، لفت بيراوي إلى أن ما حدث دق ناقوس الخطر وأيقظ من تغافل عن حقوق الشعب الفلسطيني، وما حدث في مجلس الأمن ومناقشة الحراك رغم عدم صدور إجراء عنه إلا أن المستوى السياسي شهد تصريحات مهمة للساسة في العالم الغربي أدانت ما قام بها الاحتلال وطالب بالتحقيق فيها.
وأوضح أنهم بدأوا في ترتيب المستلزمات القانونية من أجل جلب مجرمي الحرب الذين أطلقوا النيران وقرروا بالرد بعنف على السلميين للمحاكم الدولية بعد جمع الأدلة لتقديمها للامم المتحدة.
واعرب رئيس اللجنة الدولية لمسيرة العودة الكبرى عن استهجانه من تصريح الأمين العام للأمم المتحدة "انطونيو غوتيريس" الذي قال فيه بان شهداء مسيرة العودة الكبرى سقطوا أثناء "اشتباكات" وقعت بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال.
وشدد بيراوي في هذا السياق أن الشهداء ارتقوا أثناء ممارستهم لحقهم الطبيعي في التجمع السلمي، مبينا أن الأمين العام للأمم المتحدة يتحمل جزءا من المسؤولية عما حدث لأننا سبق وأن خاطبناه قبل أسبوع بأن المسيرات سلمية.
وثمن دعوة الأمين العام إجراء تحقيق مستقل وشفاف في هذا الموضوع، مبديا استعدادهم للتعاون مع هذا التحقيق وتقديم كافة الدلائل والقرائن المتوفرة التي تدين جيش الاحتلال، مطالبا الأمين العام بممارسة واجباته والضغط على دولة الاحتلال لوقف استخدام العنف ضد المدنيين العزل.
وأوضح بيراوي أن المطالبات العربية جيدة رغم أنها لم تكن بالمستوى المطلوب لكنها أفضل ما قبل المسيرة.
ويعتقد أن الحالة يجب استثمارها سياسيا ودوليا وهذا جار الاعداد له بشكل جيد وكذلك على مستوى المنظمات الدولية، منوها إلى أن الاحتلال يدرك المخاطر التي سببتها له المسيرة وحالة الحرج التي وقع فيها.
وعن أهمية الاستثمار السياسي للخطوات ومدى إمكانية تناغم السلطة مع المسيرات ذكر بيراوي، أن السلطة بدأت التناغم ليس بالشكل الأمثل لكنه معقول، مبينا أن الحراك مهم كونه أجبر السلطة على محاولة استثمار العطاء الشعبي ورغم المآخذ إلا أنها طالبت بحماية دولية للشعب.
وقال:" ننظر إلى الجزء المليء من الكأس والسلطة عندما ترى هذا العطاء من الشعب لن تجد خيارا سوى التماهي معه خاصة وان المقاومة سلمية تدعو السلطة إليها وسقفها يسمح بها، معتبرا أن الوحدة في الميدان أثبتت أن المصالحة ممكنة عند التوحد على القواسم المشتركة، متمنيا أن يكون ما حدث دافعا للسلطة أن تتوحد مع رغبات الشعب حتى لو بالمقاومة الشعبية كحد أدنى وقاسم مشترك.