قائد الطوفان قائد الطوفان

محمد .. حبات رملٍ التصقت بقميصه فخشي المحتل مدًا دون جزر!

الرسالة نت_أمل حبيب

أعزلٌ إلا من حب هذه الأرض، لم يشكل أي تهديد على جنديٍ يغطي صدره بدرعٍ واقٍ وخوذة على رأسه خلف السياج الفاصل، فقط.. يبدو أن حبات رمل البحر قد التصقت بقميصه فخشي المحتل مدًا منه دون جزر!

لاعب كرة قدم وفنان ينحت على الرمل، ماذا تريد أن تعرف أيضًا عن ذاك الانسان الذي اغتالته قوات الاحتلال باستهداف مباشر لأنه أخبرهم "أنا راجع"!

تمرد ثم قاوم، كلمتان فقط لخصت حياة الشهيد محمد أبو عمرو 25 عامًا، الأولى حين استوطن "الخبيث" جسد أمه فماتت قبل ستة أعوام، فتعلم منها كيف يمكن للإنسان أن يتمرد على المستوطن، فلا خلاف بين الجسد أو الأرض فكلاهما قهر واحد، والثانية حين قاوم شقيقه إيهاب المحتل فرحل شهيدًا عام 2008.

كان البحر وجهتنا، هناك حيث نحت محمد، واستلقى، وجلس القرفصاء، وفضفض فقط للبحر أمام لوحاته الرملية والتي كان أولها كلمة "أمي" وآخرها "أنا راجع"!

على تلك البقعة من الجهة الجنوبية لميناء غزة كان ابن حي الشجاعية يصوب قلبه لها قبل أي شيء، وبقي سؤاله " كيف ينام الألم؟" بعد أن نام هو نومته الأخيرة وترك الألم يبكيه على شاطئ البحر.

عينان خضراوان مائلتان للعسلية أو العكس، حبْس الدموع فيهما يجعلاك حتمًا تشك في تحديد لونهما، تستقران وصاحبهما أمام صورة لمحمد وضعت على مدخل خيمة العزاء حيث جلس الحاج نعيم أبو عمرو والد الشهيد دون أي رعشة!

ذاك الأب كيف يحبس دمع عينيه، ثم كيف يخزنها جميعها في قلبه، ثم لماذا لا ينادي على ابنه بصوت مرتفع، ثم لماذا يخفي انكسار ظهره؟، قد تزاحمك تلك الأسئلة وتجد إجابة واحدة من ذاك الأب: "رحم الله محمد وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرً من أهله".
ينظر لعدسة الكاميرا تارة ثم يخطف ببصره على صورة ابنه محمد التي تقابلها صورة لابنه الشهيد إيهاب، ثم قال:" أبى الا أن يترك شيئا قبل أن يرحل، حيث نحت على رمل الشاطئ منحوتته الشهيرة أنا راجع"، لم يصمت طويلًا حيث وصلها بجملة أخرى مليئة باليقين: "بعد أن تلقيت خبر استشهاده تيقنت أنه رجع الى الله".

الموت بُستاني بارع لا يقطف الا الجميل يدرك الأب ذاك جيدًا بعد تجربة الفقد بابنه إيهاب وزوجته، الا أنه مؤمن بأن لا عودة للديار مع الخوف كما تشبع بذلك محمد!


"مكنتش أخاف عليه أي مشوار يبلغني الا لما طلع على مسيرة العودة ما بلغني" بصعوبة خرجت هذه المفردات، كان كمن يريد استجوابه، أو معاتبته بحنية كما اعتاد " ليش ما بلغتني يابا؟"
أكثر ما آلم الأب أنه لم يسمع صوت ابنه محمد قبل استشهاده، جل أمنيه أن يسمع بحة صوته، فيسمعه بعدها " الله يرضى عليك يا محمد".

كانت الرصاصة التي اخترقت جسد الفنان أقرب من اتصال هاتفي يسمع خلاله ما كان يتمنى من ابنه، كان غدر المحتل أسرع من " محمد يتصل بك".

ابن غزة محمد الذي لم يحمل يومًا بطاقة لاجئ، ولم تُهجر عائلته من بلداتها الأصيلة شارك في مسيرة العودة الكبرى لأن والده لخص له الحكاية يومًا كما أعادها لنا: "القضية قضية فلسطين، حيفا فلسطين، يافا فلسطين، ما فيه لاجئ أو مواطن، العودة حق لكل فلسطيني".
صمتنا جميعًا، كان الصمت لزامًا أمام كلامه المتزن، الهادئ، هيبة الحروف حين تخرج منه كانت أكبر من أي سؤال آخر، فقط اليقين من تركناه في خيمة عزاء الفنان محمد، وحلم واحد للشهيد:" كان يحلم أن ينحت أكبر خريطة فلسطين على رمل بحر غزة، بذل جهده ووقته لتحقيقها ولكن لم يستطيع فلم يساعده أو يدعمه أي جهة".

أول هدية من الأب لروح ابنه ستكون محاولة جاهدة منه لتحقيق حلمه مع حبات رملٍ لن تتوقف يومًا عن رثاء فقيدها محمد!

 

البث المباشر