تبدو (إسرائيل) عاجزة تماما عن مواجهة حراك "مسيرات العودة الكبرى" بعد دخوله أسبوعه الثاني، في ظل تفاقم حالة انعدام اليقين داخل المؤسستين السياسية والأمنية إزاء نجاعة حملة القمع الهادفة إلى وأد الحراك وتجاوز مفاعيله.
ويستدل من تقديرات كبار المعلقين الصهاينة أن الحراك الفلسطيني نجح في تحقيق أهداف إستراتيجية من الطراز الأول تمثلت في تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية ودفع غزة لواجهة الاهتمام العالمي وحشر (إسرائيل) في الزاوية.
ومما يثير الإحباط لدى الدوائر الرسمية الصهيونية حقيقة أن الأهداف التي وضعتها (تل أبيب) في مواجهة هذا الحراك تتطلب استخدام أدوات ذات تأثير متضاد. فـ(إسرائيل) التي أعلنت أنها لن تسمح بحال من الأحوال للمشاركين في مسيرات العودة من اجتياز الحدود الفاصلة مع القطاع أو المس بالتجهيزات التي يستخدمها جيش الاحتلال في تدشين منظومة العوائق المادية الهادفة لمواجهة شبكات الأنفاق الهجومية، تعي أن تحقيق هذا الهدف يتطلب سقوط المزيد من الشهداء والجرحى في الجانب الفلسطيني، وهو ما سيصب مزيدا من الوقود على شعلة هذا الحراك.
وتجاهر المحافل الأمنية بالتعبير عن مخاوفها من أنه كما تواصل حراك مسيرات العودة وتعاظم عدد القتلى والجرحى فإن هذا الواقع يهدد بإشعال الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، سيما مع اقتراب موعد تنظيم احتفال نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس.
ويكمن مصدر القلق الصهيوني الآخر في أن تواصل فعاليات الحراك ينذر بحرمان جيش الاحتلال من القدرة على مواصلة التدريبات والمناورات، حيث قدر المعلق العسكري الصهيوني يوآف ليمور بأن نصف فرق وألوية وأذرع الجيش الإسرائيلي ستكون مطالبة بالاستنفار لمواجهة التحديات الأمنية التي يترتب عليها حراك العودة.
وإزاء هذا الفشل وفي ظل المخاوف من تطور مفاعيل هذا الحراك وتعاظم خطورة تداعياته، لجأت (إسرائيل) لقوة إقليمية ودولية للتدخل، حيث طلبت منها التدخل لدى حركة حماس لاقناعها بوقف الحراك.
ولعل ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية من أن نداف أرغمان رئيس المخابرات الداخلية الإسرائيلية "الشاباك" قد طلب من رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، الذي زار (إسرائيل) في الأسبوع الماضي بنقل رسالة تهديد لحماس يحذرها فيها من مغبة مواصلة مناشط الحراك، يؤكد هذا التوجه الإسرائيلي.
لكن فرص نجاح أي تحرك مصري أو إقليمي لاحتواء حراك مسيرات العودة تؤول إلى الصفر.
فإلى جانب تصاعد الدعوات من النشطاء الفلسطينيين التي تطالب الفصائل الفلسطينية بعدم إبداء أي استعداد للتعاون مع أي تحرك مصري يهدف إلى احتواء حراك مسيرات العودة، تدلل كل المؤشرات على أن الفصائل الفلسطينية لا يمكنها المجازفة بالتفريط بمسيرات العودة، على اعتبار أن هذا الحراك فقط يضمن استعادة زمام المبادرة لها ويحمل في طياته طاقة كامنة لإحداث تغيير جوهري في واقع غزة، سيما بعد فشل الجهود الهادفة لتحقيق المصالحة الداخلية وفرض قيادة السلطة الكثير من العقوبات على القطاع.
ومما يشجع الفلسطينيين على مواصلة الحراك حقيقة أنه أفضى بشكل واضح إلى زيادة مظاهر الاستقطاب الداخلي في (إسرائيل) وأبرز حالة انعدام اليقين داخل الأوساط القيادية في (تل أبيب) إزاء السياسة التي تنتهجها حكومة اليمين المتطرفة تجاه القطاع.
فقد عاد وزير الاستخبارات والمواصلات الليكودي يسرائيل كاتس مجددا للمطالبة بتطبيق مشروع لتدشين ميناء ومطار عائمين قبالة سواحل غزة لتأكيد أن (إسرائيل) لم تعد مسؤولة عن القطاع.
قصارى القول، لقد أدرك الفلسطينيون الطاقة الكامنة في أدوات النضال والمقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال ولن يفرطوا فيها، حيث أن هذا الحراك أسهم مرة أخرى في تمكين المقاومة الفلسطينية، وتحديدا حماس من استعادة زمام المبادرة بشكل يبشر بإدخال تحولات على طابع وبيئة الصراع مع المحتل.
من هنا، يتوجب عدم الوقوع في الشرك الصهيوني وعدم التفريط بمطالب حراك مسيرات العودة.