في نيسان ودعنا رموزا فلسطينية أثرت وما زالت تؤثر في ضمير ووجدان شعبنا. إن كان في الداخل او الخارج، فمن منا لم يحزن ويكتوي بشهادة خليل الوزير أبو جهاد؟! هذا القائد الاستثنائي في ضمير ثورتنا الذي أسس حركة فتح وبقي مع رفقائه في مراحلهم المختلفة، وتبنى الكفاح المسلح حتى آخر يوم في حياته ووقف سدا منيعا في وجه التنازلات والتهاوي والتردد، فما كان من الاحتلال إلا وأن يضعه على رأس قائمة التصفيات حتى نجح أخيرا في نيسان 1988، بعدما تبنى الوزير انتفاضة الشعب في الضفة وغزة، وكان مسؤول الحركة في القطاع الغربي، ووضع استراتيجيات صمود وخطط لتحويلها لانتفاضة عسكرية، وأرسل مجموعات عبر البحر والحدود في بطولات يسجلها شعبنا ويفخر بها.
استشهاد أبو جهاد رحمه الله شكل صدمة تحولت لغضب عارم اجتاح الضفة وغزة والقدس وفلسطين 48، وتفاقمت المواجهات فكان يوما حزينا من أيام شعبنا رفعت الأعلام السود حدادا وحزنا، وتألم الصغار والكبار وشعر الشباب في خطوط المواجهة بالغربة.
وفي نيسان ايضا من عام 2004 فوجئ شعبنا برحيل أسد فلسطين د. عبد العزيز الرنتيسي شهيدا، حيث شكل استشهاده رحمه الله صدمةً فلسطينية وعربية وإنسانية على مستوى العالم فقد بكته العيون كأعز عزيز، فيعتبر بفكره وحضوره وتاريخه من أبرز القيادات التحررية الإنسانية، وشكل اغتياله جرحاً بالغاً ما زلنا نتجرع آلامه إلى يومنا هذا.
فالرنتيسي جمع بين العلم والعمل، والفقه والسياسة، وحفظ القران وتطبيقه، فامتلك قدرات أهلته ليحفر اسمه بصخر المجد جيلاً بعد جيل، فقد تميز في دراسته وهو طبيب من أشهر أطباء خانيونس وغزة، وهو الضليع باللغة العربية والمتمكن منها وينظم الشعر الحكيم، كما أنه أجاد الإنجليزية والتحدث بها وشرح مواقفه بلسانها، زد على ذلك أنه فارس الخطابة والترجل وذو النبرة الواثقة والتعبير الحقيقي، يحرك قلوب الناس ويقنع عقولهم.
وكان الرنتيسي رجل ميداني من الطراز الأول يرابط ويتابع ويشرف على العمليات، ويتواصل مع الاستشهاديين والمقاتلين ويحضهم على التقدم، ويرفض بتاتا اي مبادرة لوقف الكفاح المسلح والعمل العسكري، وهو من قال إن عدوكم أيها الاخوة الأفاضل لا يفهم إلا لغة القوة "لغة الحراب"، وكان يمني نفسه بقول أيها الناس إن اقرب طريق للوصول للجنة هو الجهاد في سبيل الله، وهو من بشر ان تضرب تل ابيب وحيفا ويافا بالصواريخ وهو من أكد انتصار المقاومة وهلاك شارون.
ورغم ما اشتهر به من حدية بالحق وصلابة في المواقف الصعبة، إلا أنه ليِّنٌ سهلٌ مع إخوانه وأحبابه، مجمِّع لا مفرِّق، موحدٌ لا مشتت يمتلك المبادرة وحل المعضلات الصعبة والمعقدة بسهولةٍ ويسر، فكان قادة الفصائل الوطنية والإسلامية يسلمون له الدفة عن طيب خاطر ويرتضون بمنطقه وحكمه.
اليوم في ذكرى الرنتيسي وابو جهاد علينا مراجعة حالة الانقسام وأسبابها، وحالة التفرقة واليات معالجتها، فشعب ينطلق بمسيرة العودة بهذا الزخم والروح والثورة، وفيهم الرنتيسي والياسين وعياش وأبو الهنود والوزير وأبو إياد وياسر عرفات، لا يمكن لهم أن يستمروا بهذا الانقسام البغيض.