تنضج ثمار مسيرات العودة الكبرى شيئا فشيئا مع استمرار زخمها للأسبوع الثالث على التوالي منذ انطلاقها نهاية الشهر الماضي، فاتحة المجال أمام حراك إقليمي ودولي نحو قطاع غزة المحاصر لحرف البوصلة التي صوبها المتظاهرون نحو القدس والأراضي المحتلة عام 48.
وتداولت مواقع إخبارية أنباء عن عروض إسرائيلية بواسطة مصرية تهدف إلى وقف مسيرات العودة، حيث نشر موقع الجزيرة. نت نقلا عن صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أن مصر والسعودية تواصلتا مع حركة حماس لإنهاء المظاهرات الخاصة بمسيرة العودة الكبرى.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول بالخارجية المصرية قوله إن القاهرة عرضت مقابل وقف المظاهرات ضمان فتح معبر رفح الحدودي، وإن ذلك جاء تحت إشراف الرياض.
وتأتي هذه الأخبار التي يتم تداولها الآن على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل توجس الاحتلال الإسرائيلي من مسيرات العودة ودهشته من ازديادها أسبوعاً بعد آخر رغم ارتقاء أكثر من 31 شهيدا وسط مطالبات من القائمين عليها بتوفير حماية دولية للمتظاهرين السلميين لمساعدتهم في الزحف نحو بلادهم.
وفي السياق، سلمت الهيئة التنسيقية لإحياء ذكرى النكبة رسالة خاصة إلى السيد نيكولاي ميلادنوف المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تسلمها بالنيابة عنه السيد غيرنوت ساور مدير مكتب غزة الإقليمي، طالبت فيها الهيئة من الأمم المتحدة العمل على توفير حماية دولية للمساعدة على تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1949 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجروا منها إبان نكبة 48.
وبحسب ما ورد في الرسالة التي تسلمها ميلادنوف: "فإن اللاجئين الفلسطينيين سيدخلون إلى بلادهم بتاريخ (15-5) في ذكرى النكبة، وذلك لتطبيق ما لم يستطع المجتمع الدولي تطبيقه، وهذه رسالة منا لسيادتكم حتى تكون شاهدة على التاريخ وعلى ما سيحدث؛ وإننا نطالبكم بحماية دولية حتى ندخل بلادنا المحتلة".
الكاتب أكرم عطالله علق على سير العمل في مسيرات العودة واستمراريتها بنفس القوة والوتيرة قائلاً: إن السبب في ذلك هو انسداد كافة الخيارات تجاه الفلسطينيين، وهذا ما جعلهم يشتقون خياراً ثالثاً، وهو الحشد الجماهيري إضافة إلى الوضع الصعب الذي يعاني منه أهالي القطاع والذي دفعهم لتقديم صرخة في وجه العالم".
وينوه إلى أن طرح "إسرائيل" لخيارات أو عروضات وإن كانت غير أكيدة حتى اللحظة زاد من ثقة الغزيين وتأكدوا من إيجابية خيارهم، و"هذا ما كان دافعاً لاستمرار المسيرات كل جمعة على ذات الوتيرة، بمعنى أن المسألة الحياتية ارتبطت بالمسألة الوطنية بشكل أو بآخر".
ويلفت عطا الله إلى أهمية الرعاية الوطنية العالية دون ظهور الفصائل في الصفوف الأمامية، مشددا على أهمية أن يتركوا الصفوف الأمامية للشعب ليقول الكلمة الأولى والأخيرة، وليندفع لاستمرار المسيرات، لافتا الى أهمية أن تستغل الفصائل والسلطة هذا الوضع للتوحد حوله، لما بدا يحققه من نتائج جدية وجديدة في الملف الفلسطيني.
وفي ذات السياق، يقول الكاتب والباحث أحمد جبريل أن مسيرات العودة عملت على إحياء صورة انتفاضة 1987، بأدواتها المميزة، من قذف الحجارة باليد أو "المقلاع"، وحرق الإطارات المستعملة، ورفع الأعلام الفلسطينية، والحشد الجماهيري في جنازات تشييع الشهداء، بما يؤدي إلى إفقاد الإسرائيليين صورة الضحية الدائمة منذ "الهولوكوست".
والمتابع للإعلام الإسرائيلي يرى كمية التركيز والترقب ليوم الخامس عشر من أيار، حيث قال ضابط إسرائيلي رفيع المستوى إن دولته تخشى من تطور حراك مسيرات العودة في الخامس عشر من أيار المقبل وخروج المئات من قطاع غزة بالإضافة الى خشيته من انتقال المسيرات إلى الضفة الغربية ولبنان".
ووفقاً لبعض المحللين فإن "إسرائيل" حريصة على إنهاء مسألة المسيرات قبل الخامس عشر من مايو، حيث يرى محمود مرداوي أن الاحتلال تعامل مع المسيرة في البداية على أساس أنها حدث أمني، وتوقع أنها ستنتهي مع بعض الردع ولكنها بدلاً من أن تنتهي ازدادت.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى حد تعبير مرداوي، فهي قد نجحت في تعرية "إسرائيل" أمام العالم وكل هذه المحاولات لكيلا تصل المسيرات الى الخامس عشر من أيار، مستدلا على ذلك بإطلاقها بالونات اختبار حول تسهيلات ستقدمها للقطاع مقابل إيقاف مسيرات العودة، مؤكدا عدم وجود شيء رسمي حتى الآن بهذا الخصوص.
ويرى مرداوي أن "إسرائيل" لديها قناعة الآن أن الحراك سيمتد لما بعد الخامس عشر من أيار إذا لم تقدم أي عروضات لإيقافه، وهو مقتنع بأن الفلسطينيين لم يعودوا يقتنعوا بأي مهدئات أو أي وعود بالمصالحة ورفع الحصار "لأنهم باتوا يعرفوا جديا أن كل هذه أكاذيب، وأن الاحتلال يحاول بكل الوسائل إيقافهم في الأيام القادمة".
وتوقع أن يكون هناك عروض جدية من الاحتلال، لافتا إلى أهمية أن يعرف القائمون على الحراك أن أي وعود إسرائيلية أو أي إنجازات قادمة كلها مرتبطة بسياسة الحراك وثباته وقوته وتوحده على ما هو عليه، ومن خلال طريقة ادارته، مرجحاً أن يحقق نتائج إيجابية في الأيام القادمة لو استمر تفاعله على ذات الوتيرة من الحماس، وفق تقديره.