كمولد السنبلة الخضراء، كان أثر وجودهن هناك بين النار والبارود، فكيف إذا ما طرقت اسراء بقالب الكعك ليطغى صوته على رصاصة الجندي!
حين تكبر السنبلة الخضراء تمسي ذهبية اللون وقد يصلها شيئًا من عنفوان الثوار فتمسي جذعًا بدلًا من جدايل سنبلة!
جميعهن في خيمة بيضاء اللون، اسراء العرعير قابلتنا بصحن "مفتول" تبتسم ثم تسأل " عجبكم مفتول العودة؟".
فريق سنابل الخير كان يقاوم بطريقته الخاصة في خيام مسيرة العودة الكبرى، شاركناه لحظات توزيع صحون المفتول على الحاضرين، في حين قامت أخريات من الخيمة المجاورة بترديد شيئًا من الأهازيج الشعبية التي تناسب أكلة تراثية كــ "المفتول" الفلسطيني!
فريق "سنابل التطوعي" يدرك دوره جيدًا هنا، حيث ينظم فعاليات شبه أسبوعية لتعزيز صمود المتواجدون على السياج الحدودي.
أدوار متكاملة تصفها اسراء عضو في الفريق وتقول: "جاءت الفكرة من مسيرة العودة الكبرى، في ظل الظروف الصعبة، ووجود الأهالي في المخيم يجلسون لساعات طويلة، فكانت فكرة المفتول لإحياء التراث الفلسطيني، والتأكيد على أننا متمسكون بكل تراثنا وتفاصيله".
إعادة حكايات الأجداد على الأرض الفلسطينية، ومد المتواجدين بوجبات من الكعك والمفتول وغيرها من الأكلات الشعبية منه ليقوي هذا الطعام اجسادهم ليكملوا مشوار العودة نحو فلسطين، هو السبب الأهم بالنسبة لإسراء لتواجد الفريق في خيام العودة.
في دائرة مستديرة تجلس الفتيات، يوزعن قطع الكعك والمعمول في أطباق دائرتها أوسع بكثير من قُطر الحبة الواحدة، ثم يضعنها في الأفران ليحمر وجهها فيصبح ذهبيًا كما السنبلة أو أشد وهجًا!
لا شعور بالخوف هنا، الجميع يرسم ابتسامة مداها يزداد، الأطفال تجذبهم رائحة المعمول بالعجوة، الكثير ينتظر أمام الخيمة، ومنهم من يشغل وقته بلعب كرة القدم لحين نضج المزيد منه.
اسراء التي أعادت بذاكرتنا الى العدوان الأخير على القطاع، حيث انبثق الفريق آنذاك قبل أربع سنوات ليضم شابات من مدينة غزة، يقمن بمساعدة وخدمة أهالي حي "الشجاعية" الذي تعرض للقصف الشامل.
امتد الخير واستمرت السنبلات في عملهن بعد العدوان، حيث بات شهر رمضان دافعًا لهن لتكثيف الفعاليات ومساعدة المحتاجين.
سنبلة جمعها سنابل، أما فلسطين فحبها مجموع في قلوب شابات الفريق اللواتي لم تفارق احداهن الكوفية عن الأكتاف طيلة فترة اعداد الحلويات أو الأكلات الشعبية.
تدرك اسراء وغيرها من الفلسطينيات أن خيمة العودة تختلف كليًا عن خيمة التهجير الأولى التي نصبت بانكسار لإيواء المهجرين، كما تدرك أن فلسطين لابد أن تنبض حياةً رغم رصاص الحدود!