مقال: هل من تحول في السياسة الخليجية تجاه القضية الفلسطينية؟

صورة
صورة

وسام حسن ابو شمالة

تعتبر منطقة الخليج تاريخيا جزءا من الاستراتيجية العالمية لكل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي سابقا خاصة ابان الحرب الباردة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية والتي نتج عنها نظام ثنائي القطبية بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. وتتمثل أهمية الدول الخليجية بالنسبة للولايات المتحدة في كونها تمتلك أكبر احتياطي عالمي للبترول والاستفادة الكبيرة من الأسواق والاستثمارات والودائع الخليجية، ولعبت الدول الخليجية العربية ولا سيما السعودية دورا هاما بعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان من خلال الترويج بأن المد الشيوعي هو الخطر المحدق بالأمة العربية والاسلامية وليس الاحتلال "الاسرائيلي" واستنزفت طاقات الأمة في أفغانستان بدلا من توجيهها نحو فلسطين، ومن ثم تعززت "الحماية" الأمنية الأمريكية للخليج بحجة الحفاظ عليها من الخطر الشيوعي.

تاريخيا يعتبر الصراع العربي "الاسرائيلي" لا يشكل الموضوع الرئيسي في السياسة الخارجية الخليجية الا باعتباره مدخلا أساسيا لتوثيق العلاقة مع الولايات المتحدة التي سعت دوما لفصل الخليج عن مقتضيات الصراع العربي "الاسرائيلي" وذلك بحثها على تجنب نقد المبادرات الامريكية للتسوية واستعمال دول الخليج في كل ما لديها من نفوذ لتشجيع الاتجاهات التوفيقية بين الفلسطينيين والاحتلال "الاسرائيلي" اضافة لتشجيع السعودية للإعلان عن المبادرة العربية للسلام عام 2002 والتي عرفت فيما بعد بالمبادرة العربية للسلام.

وقد اتسمت السياسة الأمريكية تجاه دول الخليج العربي تاريخيا بالعمل على الحفاظ على النظام الوراثي واستقرار هذه الأنظمة للحفاظ على المصالح الأمريكية والتي تعني توفير الحماية الأمريكية لها من الأخطار الخارجية او الداخلية وبالتالي أمدتها بالسلاح بما لا يشكل أي تهديد للاحتلال "الاسرائيلي" اضافة لوجود قواعد عسكرية أمريكية في الخليج.

وقد تقاطعت الرؤية الأمريكية مع الرؤية الخليجية في العداء للنظم والحركات الثورية، وخاض النظام الخليجي العربي صراعا ضد القومية العربية والنظم التي تمثلها خاصة في مصر وسوريا والعراق اضافة للعداء لإيران بعد الثورة .. وقد اعتمدت امريكا على الدور السياسي الخليجي لترويض الأنظمة العربية لصالح السياسيات الأمريكية معتمدة على مكانتها الدينية وقدرتها الاقتصادية ونفوذها السياسي الهام داخل النظام الاقليمي العربي .

السياسة الأمريكية في عهد اوباما اخذت منحا جديدا تجاه الدول العربية، فبعد "الربيع العربي" لم تتخذ الادارة الأمريكية مواقف حاسمة تجاه دعم الأنظمة الحليفة معها مما شكل صدمة للأنظمة الخليجية. وزاد القلق الخليجي قيام أمريكا بتوقيع اتفاق نووي مع إيران عام 2015 والذي عزز من النفوذ الايراني في المنطقة العربية.

وقد انتعشت الآمال الخليجية بعد فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية وهي تحاول جاهدة استغلال عداء ترامب لإيران ومعارضته للاتفاق النووي لاستعادة نظام الحماية الأمريكي وقد قدمت مقابل ذلك تريليونات الدولارات في صفقات متعددة مع ترامب اضافة لاستعدادها للتماهي مع ما يسمى "بصفقة القرن" كما مارست أغلب دول الخليج العربي مؤخرا دورا واضحا في تهيئة الرأي العام العربي لتطبيع العلاقات الخليجية مع الاحتلال "الإسرائيلي" ...

مما سبق يتضح ان دول الخليج العربي عموما مستعدة لكل الاحتمالات وجاهزة لتقديم كل السياسيات التي تحافظ على استقرار الحكم وضمان حماية أمريكية من "التهديدات الخارجية الايرانية"، وفي هذا السياق يمكن فهم المواقف الخليجية مؤخرا من الاحتلال "الاسرائيلي" والقضية الفلسطينية، بينما تستغل الادارة الامريكية وبالتنسيق مع الاحتلال "الاسرائيلي" حاجة تلك الدول للاستقرار الداخلي وحاجتها للحماية الأمريكية من أجل تسويق المشاريع "الاسرائيلية" في المنطقة وتطبيع العلاقات العربية "الاسرائيلية" قبل الحصول على الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

البث المباشر