ثمة رسائل ومؤشرات عديدة حملها خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في كلمة له الاثنين الماضي حول انعقاد المجلس الوطني دون توافق، حاول خلالها تصويب المسار ودق ناقوس خطر سياسة التفرد والاقصاء التي تتبعها السلطة الفلسطينية مع الفصائل.
وعلى غير العادة جاء الخطاب شديد اللهجة وبلغة حاول هنية بها دفع قيادة السلطة إلى التراجع عن سياستها التهميشية مع الكل الفلسطيني والإصرار على اختطاف القرار الفلسطيني بشكل منفرد؛ في ظل ما يحيط بالقضية من مخاطر جمة.
وعبر هنية في خطابه عن رفض حركته، للمجلس الوطني الذي انعقد مساء الاثنين، مبيناً أن القرارات التي تصدر عنه لا تمثل الشعب الفلسطيني، وانعقاده بهذه الطريقة لا يحل أزمة الشرعية التي تعاني منها قيادتها.
وأجمع محللون سياسيون على أن لغة الخطاب كانت مختلفة ورافضة لما يجري من محاولات العبث التي تمارسها السلطة بالقضية الفلسطينية، إلى جانب تركيز الخطاب على المواقف الراسخة لحماس، والثوابت، والقضايا الوطنية.
موقف للتاريخ
ولعل هذا الخطاب هو الأول الذي لم يصف به هنية محمود عباس بالرئيس عند ذكره، وفي هذا الاطار يؤكد الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن أن الخطاب جاء ليسجل موقفا للتاريخ في مرحلة ينظر اليها على أنها من أخطر المراحل التي تمر بها القضية سواء على الصعيد الداخلي او الإقليمي وفي ظل حالة من الانقسام وإصرار قيادة السلطة على المضي بعيدا عن أسس الشراكة الفلسطينية التي تم التوافق عليها، والاستفراد بالحالة السياسية الفلسطينية.
ويوضح محيسن في حديثه لـ"الرسالة" أن هنية أراد في خطابه أن يقول للجميع إن هذا العبث في القضية من قبل قيادة السلطة لا يمثل الحالة السياسية الفلسطينية ولا يمثل حماس وانها لن تقف مكتوفة الايدي امام هذا العبث الذي يقود للاستسلام أمام ضغوط ممكن أن تؤدي بالشعب الى متاهات اخطر بكثير مما عليه الان.
وجاء في خطاب هنية أن حماس لن تقف عند حدود تسجيل الموقف، وسيكون لعقد المجلس الوطني في رام الله ما بعده، وسوف تضطر لاتخاذ مواقف واضحة للحفاظ على القضية وثوابت شعبنا وتمثيله الحقيقي عبر التشاور مع المجموع الوطني، وسوف تعيد الحركة النظر في مواقفها بشأن المنظمة".
ونادى هنية بضرورة الاتفاق على برنامج سياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والاعداد لمجلس توحيدي يجهز لعملية الانتخابات، ضمن رؤية تعيد الاعتبار لمنظمة التحرير باعتبارها المرجعية في النظام السياسي.
ويضيف محيسن أن حماس في هذا الخطاب سجلت موقفها أمام الرأي العام والدولي وأكدت على تمسكها بالثوابت ومواصلتها للنضال والكفاح عبر الوسائل المختلفة وفي مقدمتها الحراك الشعبي المتمثل بمسيرة العودة.
وبيّن أن كلمة هنية حددت توجهات حماس في المستقبل وهو ليس الاكتفاء بمواصلة الحراك الشعبي على حدود غزة وانما تمديده لمناطق أخرى بالضفة لمواجهة قرار الإدارة الامريكية في نقل السفارة، وصناعة عوائق أمام المخططات التي تحاك ضد القضية الفلسطينية.
تهشيم المخرجات
وفي خطابه تحدث هنية أن قرار حركة حماس الوطني الثابت هو الاستمرار بمسيرة العودة وكسر الحصار وتطويرها وتوسيع رقعتها نحو الضفة والشتات على طريق انتفاضة العودة، وأن الأولوية الاستراتيجية الآن تتمثل في إسقاط صفقة ترمب وعدم السماح بتمريرها، وفك الشراكة الأمنية مع الاحتلال، والكف عن انتظار حلول ترمب ووعود نتنياهو.
وعن تبعات الخطاب، يشير الكاتب محيسن إلى أن السيناريوهات المتاحة أمام حماس في ظل اختطاف قيادة السلطة للنظام الفلسطيني والاستفراد المضر بالقضية هو محاولة تهشيم المخرجات التي ستترتب على مثل هذا الاجتماع، وخاصة أنه من المتوقع أن تكون مخرجاته إعادة انتاج للمؤسسات التي هي جزء من الدولة و"تجديد عضوية المجلس المركزي، والوطني والتنفيذية".
ويلفت إلى أن تجديد عضوية تلك المؤسسات يعني أن يصبح عباس وحركته سيد المجالس الثلاثة بعد أن استطاع تغييب القوى الفاعلة واستخدام قوى قزمية في منظمة التحرير لتضفي شرعية على مساره السياسي، مشددا إلى أن حماس لن تقبل بذلك وستتمسك بموقفها وتصر على أن تبقى أبواب منظمة التحرير مفتوحة أمام الكل الفلسطيني.
رؤية وحلول
وهنا يتفق الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون مع سابقه، معتبرا أن حماس ستحاول التركيز على أنه لا أحد يمثل الشعب الفلسطيني والقيادة الحقيقية هي الميدانية إلى جانب محاولاتها ترتيب الواقع الفلسطيني وتجاوز الأزمات.
ويعتقد المدهون في حديثه لـ"الرسالة" أن حديث هنية جاء كتعبير عن مواقف فصائل المقاومة التي لم تشارك في المجلس الوطني، في ظل حالة الرفض لجلسة "الوطني" التي تُقام تحت حراب الاحتلال وتستثني معظم قوى الفصائل الفاعلة.
ويؤكد أن هنية كان مسؤولا وقدم بعض الحلول للرؤية التي يمكن أن تخرجنا من حالة الاستفراد السياسي، لا سيما وأن القضية تعيش مرحلة خطيرة وحسما سياسيا، كون ما قام به عباس سيجبر جميع الأطراف على ردود فعل مخالف له في الاتجاه؛ ولهذا هناك محاولة انقاذ سياسي من قبل حماس تمثلت في الخطاب.