يعمد أبو هاني عقل -صاحب سوبر ماركت في شمال غزة-لعرض عبوات المياه والمشروبات الغازية أمام محله لجلب المشترين مع دخول أجواء الحر، ويجهل مخاطر تعريضها لأشعة الشمس التي من الممكن ان تنتقل للمستهلك.
مختصون حذروا من عرض البائعين للعبوات البلاستيكية على أبواب المحلات وتعريضها لأشعة الشمس، وهو ما يضر بالمنتج بسبب تفاعل المادة السائلة مع البلاستيكية ما ينتج أضرارا كبيرة على صحة الانسان.
وبحسب تقارير جامعة هارفارد فإن معظم زجاجات المياه البلاستيك تحتوي على "الأنتيمون"، وهي مادة كيميائية تسبب السرطان.
أما الزجاجات الأكثر صلابة الخاصة بالعصير فتحتوي على الفثالات المرتبطة بحدوث مشاكل في الصحة الإنجابية، وفق أبحاث دراسية حديثة.
بصاحب مصنع: الزجاجات المستخدمة تُصنع لمرة من الخام، ويمنع إعادة تدويرها
ويعرف البلاستيك بأنه المواد المصنوعة من المبلمرات ويمتاز بالقابلية للتشكيل وهي مركبات ذات كتل جزيئية تنتج بعد اتحاد جزئيات صغيرة من المونومرات والبوليميرات المصنعة من مشتقات البترول.
المواطن بحاجة لتوعية!
"الرسالة نت " بدورها تطرقت لقضية نوع البلاستيك المستخدم في العبوات والزجاجات المخصصة لحفظ الطعام، ومدى خطورة تعرضها لأشعة الشمس على صحة الانسان، بالإضافة لآثار تكرار استخدامها في حفظ مياه الشرب.
ولعل مخاطر إعادة استخدام الزجاجات البلاستيك بحسب المختصين الذين قابلتهم "الرسالة" تكمن في أنها تؤدي إلى التلوث الجرثومي خصوصا عند غسلها بانتظام.
حتى أن زجاجات المياه البلاستيكية القابلة لإعادة الاستخدام يمكن أن تحمل مخاطر التلوث الجرثومي وتشكل البكتيريا خطرا على صحة الانسان بسبب ترشح المواد الكيميائية.
أبو شادي اليازجي مدير شركة اليازجي للمشروبات الغازية، أكد أن الزجاجات المستخدمة يتم تصنيعها لمرة واحدة من المادة الخام، ولا يتم إعادة تدويرها مرة أخرى لحفظ المشروبات الغازية.
وقال اليازجي لـ"الرسالة" إن العبوات يتم تسخينها ووضعها بماكينات خاصة على درجات حرارة معينة للخروج بالشكل المطلوب للزجاجة ووفق المواصفات والمقاييس الدولية المتفق عليها.
وأوضح أنه لا ضير في إعادة استخدام الزجاجات في تعبئة المياه المنزلية، مشيرا إلى أن تغيير العبوات الخاصة بالمياه كل فترة قصيرة أفضل لصحة الإنسان.
ولفت إلى أن طواقم التفتيش تطلع باستمرار على المواصفات الخاصة بالبلاستيك المستخدم، مؤكدا أنه من أفضل أنواع البلاستيك.
ويوصي عدد من مصنعي زجاجات تعبئة المياه الذين قابلتهم "الرسالة" بضرورة التخلص من العبوات كل فترة قصيرة، لأن الغسيل المتكرر لها يؤدي لانهيار جزء من البلاستيك وحدوث ترقق وشقوق.
المختص في التغذية الدكتور رمضان شامية أكد سعى بعض الشركات إلى تمييز منتجاتها بكيفية التعامل مع عبواتها بعد التفريغ بوضع علامات واشارات دالة، إلا أن الغالبية العامة من المواطنين لا يعرفون شيئا عن تلك الدلالات كونها غير مشروحة على المنتج.
صاحب محل: عرض الزجاجات على الأبواب لجذب المستهلكين
وقال شامية: "مع أهمية الحذر من تلك العبوات عمدت الشركات المصنعة لها وضع إشارة أسفل كل قارورة تشير إلى مدة تدوير واستخدام تلك القوارير، حيث يوجد عادة رسم لمثلث ذي أسهم وفي داخل المثلث توجد أرقام".
وأوضح أن كافة شركات تعبئة المياه والمشروبات الغازية تعتمد وجود الأرقام الدالة على عدد مرات تدوير القارورة أسفل كل واحدة، في الوقت نفسه هناك اختلافات بين مصنع وآخر، حيث يعتمد على مدى جودة القارورة وبالتالي ارتفاع سعر الأجود منها.
ولفت شامية إلى أن التزام المواطنين بالعبوات البلاستيكية الآمنة، وفق الأرقام الموضوعة، لا تؤثر سلبا على صحته، "ولكن في حال استخدامها دون معرفة نوعها، فهذا يشكل خطرا كبيرا".
** أنواع البلاستيك واستخداماته
وفي السياق حذرت دراسة أمريكية من إعادة استخدام قوارير المياه البلاستيكية لكونها تحتوي على مواد مسرطنة تدعى "deha" وتؤكد الدراسة على أن خطورة تلك المواد تكمن في اعادة استخدام تلك القوارير البلاستكية.
والدارج لدى المواطنين إعادة استخدام زجاجات العصائر من خلال تعبئتها بالمياه والعصائر بعد انتهاء محتوى القارورة من التعبئة الأولى.
ومع تلك الاستخدامات المتكررة للقوارير البلاستيكية يمكن أن نعرض أجسامنا للعناصر المسرطنة الموجودة فيها والمصنعة من مادة البلاستيك التي يطلق عليها "البولي ايثلين" والتي لا يقع خطرها إلا بعد اعادة استخدامها بعد فتحها وتفريغها للمرة الأولى.
وتذهب الدراسات العلمية في تفسيرها لما يحدث من تفاعلات بين العبوات البلاستيكية والشمس، قائلة إن " تتفاعل المواد الكيميائية في البلاستيك الموجود في عبوة المياه بفعل الحرارة، فتحرّر مادة خطرة يطلق عليها (الديوكسين) وهي مادة شديدة السمية على خلايا الجسم، وتسبب سرطانات مؤكدة، وبخاصة سرطان الثدي عند النساء والرجال".
نشرات التوعية التي تصدرها وزارة الصحة باستمرار من احتمال التسبب بإصابات سرطانية في حال حدوث تفاعل كيميائي بين المواد المكونة للعبوة البلاستيكية ومياه الشرب في داخلها متعددة، إلا أن أغلب أصحاب المحلات يجهلون تلك المخاطر الصحية، بل حتى إن عرفوها فإنهم يتغاضون عنها مقابل ما يجنوه من أرباح مالية.
وفي حديثه عن أنواع البلاستيك، قال شامية، إنه يوجد سبعة أنواع من البلاستيك المستخدم، وحسب النظام الأوروبي ترقم المواد البلاستيكية تبعا لنوع المادة البلاستيكية المصنعة منها وصلاحية إعادة تدويرها.
دراسات: تعريض البلاستيك لأشعة الشمس يسبب السرطان
وأوضح شامية أن تسرب الكيماويات الضارة من البلاستيك يتم بالاتصال مع الأطعمة الدهنية أو الدهون والزيوت، وأثناء التسخين، وكذلك بتفاعل البلاستيك مع مواد حامضية أو قلوية قوية.
وفي عرضه للأنواع، يطلق على النوع الأول وفق شامية، البولي إثيلين تيريفثالات (PETE) ويمكن اعادة تدويره، حيث يستخدم في عبوات المياه وللمشروبات الغازية، والعصائر لمرة واحدة فقط، ولا يوصى بإعادة استخدامه.
والنوع الثانى هو البولي إيثلين عالي الكثافة (HDPE)، ويستخدم غالبا في عبوات الحليب والعصير والمشروبات الأخرى. لا يعرف أي آثار صحية مرتبطة باستخدام هذا النوع من البلاستيك.
ويتمثل النوع الثالث وفق شامية، في البولي فينيل كلوريد (PVC OR V)، مؤكدا على وجوب تجنب استخدام هذا النوع من البلاستيك تماما، لأنه سام ويحتوي على مواد ضارة.
ويحتوي النوع السابق على العديد من المواد الكيميائية، مثل الرصاص والديوكسينات وثنائي كلوريد الإيثلين وفينيل كلوريد.
وأضاف شامية: "النوع الرابع هو البولي إيثلين منخفض الكثافة (LDPE) ويستخدم في المنتجات المرنة اللينة مثل الزجاجات وأكياس البقالة والأغلفة الرقيقة، ويمكن أن يستخدم في التعبئة ولعب الأطفال".
وأوضح أن النوع الخامس والذي يُسمى البولى بروبالين (PP) له استخدامات عديدة في عبوات الطعام، ويمكن أن يستخدم في التعبئة ولعب الاطفال. وهو الأفضل بين جميع الأنواع.
ويستخدم النوع السادس والذي يطلق عليه البولى ستيرين(PS) في عبوات الطعام وفناجين الشاي والقهوة وكراتين البيض.
وأشار إلى أن هذا النوع يجب أن لا يستخدم في التعبئة ولعب الأطفال، ولا يمكن اعادة تدويره، ويجب منع تداوله واستخدامه.
وتابع شامية: "النوع السابع، يتكون من أي شيء آخر غير السابق ذكره، ويطلق عليه اسم البولى كاربونات أو الخليط (OTHER)، ولا يستخدم في الطعام بتاتا ويكون استعماله للأدوات الزراعية والري.
رقابة صارمة
وفيما يتعلق بعرض الزجاجات تحت أشعة الشمس وزارة الصحة بدورها أكدت أنها تطلب من أصحاب شركات المياه التي تحمل العلامات التجارية الكبرى منع وكلائها من عرض "ستاندات المياه"، خارج المحل وتحت أشعة الشمس.
وبحسب الوزارة فإنها تحذر الباعة المخالفين في حال تكرر الأمر بتعريض أنفسهم للمساءلة القانونية.
في المقابل وبمجرد أن تسير في أحد شوارع القطاع تلاحظ المخالفات من قبل المحال التجارية حيث يعمد الكثير منها لعرض المشروبات على أبواب المحال، وعند سؤال بعضهم وخاصة المحال الصغيرة تبين أن أيا من الجهات الحكومية لم تزرهم للمراقبة.
مستشار أغذية: إعادة استخدام الزجاجات الفارغة يجب أن يكون بضوابط
"الرسالة" طرقت أبواب قسم مراقبة الأغذية بوزارة الصحة وتحدثت لمديرها المهندس زكي مدوخ، الذي أكد أنه يتم فحص البلاستيك المستخدم في حفظ المواد الغذائية في جميع جولات التفتيش على المحلات التجارية والمصانع.
وأكد مدوخ أنه يتم تحذير أصحاب المحال التجارية والمصانع لعدم تكرار الخطأ في الحفظ أو التخزين، مشيرا إلى أن تخزين وتصنيع العبوات يجب أن يكون مطابقا للمواصفات والمقاييس الفلسطينية.
وقال: "في حال شكّ المفتش في العبوة ومدى صلاحيتها للحفظ والاستخدام الآدمي، يتم التحفظ عليها والتأكد من سلامتها".
وطمأن المواطنين بأنه لا توجد مشاكل كبيرة في العبوات المخصصة للحفظ، فطواقم الرقابة تعمل باستمرار وفي جميع المحافظات للحفاظ على صحة المواطن وتجنيبه أي ضرر ممكن أن يلحق به.
وفي حديثه عن العبوات البلاستيكية المصنعة محليا، أكد مدوخ أن انتاجها يتم تحت الرقابة، وعبر ماكينات خاصة متطورة.
وبحسب القاعدة الفنية للتخزين، فإنه لا يجوز نقل المياه المعدنية الطبيعية من مصدرها إلى موقع تعبئتها بأي وسيلة نقل متحركة مثل الصهاريج أو غيرها.
كما تتضمن الاشتراطات العامة في المصدر المائي وفي الموقع، مراعاة الخصائص "الفيزيائية والكيميائية والميكرو بيولوجية" والمواد المشعة.
وتتطرق القاعدة الفنية أيضا لإجراءات مراقبة النوعية من المصنع المُنتج ومن الجهات الرقابية، وكذلك طرق الفحص والبيانات الواجب ذكرها على بطاقة البيان الخاصة بعبوات المياه المعدنية الطبيعية.
الصحة: ننظم جولات فحص باستمرار للأغذية والعبوات المحفوظة ونحذر الباعة
وتضع أغلب الشركات العالمية والمحلية، تحذيرا واضحا على بطاقة البيان، تشترط فيه أن "تحفظ العبوة في مكان نظيف وخال من الروائح، بعيدا عن أشعة الشمس مباشرة".
إلا أن ذلك لا يحدث في الكثير من المحال في قطاع غزة وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا حول دور الرقابة في متابعة القضية ومحاسبة المخالفين.
ولعل خطورة عرض عبوات المياه تحت أشعة الشمس، تتمثل في محورين مهمين: الأول تسرب المواد الكيميائية التي تتكون منها العبوة البلاستيكية "بولي ايثلين" نتيجة تحللها بفعل تعرضها لأشعة الشمس، والتي تتحول إلى مواد مسرطنة داخل الماء، والآخر يتمثل في نمو الطحالب وتكاثرها إن وجدت داخل المياه، بفعل وجود الأوكسجين والشمس، وهما العاملان الأساسان في عملية التمثيل الضوئي.
تحذير من إعادة التدوير
مدير التنمية الصناعية في وزارة الاقتصاد محمد كلاب، حذّر من استخدام البلاستيك المجروش في تصنيع العبوات الخاصة بتخزين الأطعمة، مشيرا إلى أن هذا القرار اتخذته الوزارة منذ عام 2009.
وقال كلاب في حديث لـ "الرسالة": نراقب المصانع بشكل مفاجئ لفحص نوعية البلاستيك المستخدم في التصنيع والغرض المستخدم له.
وأوضح أنهم يتطلعون خلال جولات التفتيش لخطوط الإنتاج والمواد الخام والأدوات المستخدمة في الصناعة.
وتبقى النقطة الأهم وفق كلاب، هي عدم إعادة تصنيع البلاستيك قبل ذلك، وأن لا يتم جرشها وإعادة تدويرها مرة أخرى، وأن تكون المادة الخام جديدة وغير مستخدمة.
ولفت إلى أنه يتم ضبط حالات مخالفة للمواصفات ويتم تحويلها للنيابة للتعامل معها وفق القانون.
وأكد كلاب أنه رغم حالة الضبط الكبير في السوق الغزي، إلا أن هناك تجاوزات ولكن نعمل قدر الإمكان لمنع وجودها.
وفي دراسة بريطانية حديثة أكدت أن شرب المياه المعبأة في زجاجات بلاستيكية ومتروكة في مكان يعرضها لأشعة الشمس، تؤدي إلى الاصابة بمرض سرطان الثدي.
وأوضحت الدراسة التي أجراها الباحث شيريل كرو، المتخصص في جراحات الأورام، أن المياه المتروكة في السيارات تتعرض لأشعة الشمس والركود، مشيرا الى أن المواد الكيميائية المصنوعة منها العبوة البلاستيكية تتفاعل بفعل الحرارة، وتقوم بتحرير مادة "الديوكسين" شديدة الخطورة، والتي تظهر بنسبة كبيرة في عينات الأنسجة المسببة لسرطان الثدي.
إرشادات للمستهلكين
ولخطورة قضية التحقيق وجه المستشار شامية عدة نصائح لاستخدام البلاستيك للأغذية، أهمها تجنب تسخين الطعام أو وضع طعام ساخن في حاويات من البلاستيك، لأن الحرارة تؤثر على مكونات المادة الكيميائية وتتسبب بتسربها للطعام.
التنمية الصناعية: نراقب صناعة البلاستيك بصورة دقيقة ورغم ذلك نرصد تجاوزات
ونصح بغسل الأواني البلاستيكية بالمنظفات الخفيفة مثل الماء والصابون فقط، لأن المنظفات القاسية الشديدة تساعد على تحرر المواد الكيميائية من البلاستيك إلى الطعام.
ودعا المستهلكين إلى تحديد البلاستيك الآمن لتخزين المواد الغذائية، واستخدام الحاويات البلاستيكية رقم 1 لمرة واحدة، رقم 2 ورقم 4 ورقم 5 أو ما رسم عليه كأس وشوكة لتخزين المواد الغذائية.
ووفق شامية، يستحسن استخدام عبوات التخزين الزجاجية لأن الحاويات البلاستيكية يمكن أن تتسرب منها المواد الكيميائية الضارة إلى الغذاء مع طول فترة استخدامها.
وتبقى المشكلة الأبرز في استخدام العبوات البلاستيكية، في جهل المستهلكين في أنواعها ومدى صلاحيتها للاستخدام في الأطعمة، لذا يحتاج الأمر تدخل الجهات المعنية لتوعيتهم بالإضافة لتفعيل الرقابة على ظاهرة عرض العبوات على أبواب المحال لما تحمله من مخاطر عديدة على صحة المواطنين.