وسط الحشود على الحدود، وتحت ظلال إحدى الخيام سأل الشيخ هديل: هل تقبلين بمعاذ الرقب زوجا لك على سنة الله ورسوله؟ فهزت رأسها مبتسمة وقالت نعم.
اطلقت الزغاريد من بين الخيام، بعدما أعلن عقد قرانهما على حدود غزة مكان عملهما ضمن الفريق الطبي الخاص بمسيرات العودة، ومن ثم حمل الشباب العريس على أكتافهم مهللين " معاذ يا محلى طوله، كل المخيم غنوله" حيث اعطى غناؤهم للمشهد جمالية وللفرحة طعما مختلفا يذكرهم كل لحظة بحدث لن يغيب عن الذاكرة، وربما سينقلوه لأبنائهم في المستقبل، ويقول لهم ان من بين الدماء والشهداء يستطيع أبناء غزة فقط أن يصنعوا للفرح طعما.
أما هديل فلم تخف اعجابها بمعاذ منذ لقائهما في الجمعة الأولى لمسيرات العودة، حيث أثنت على جميل أخلاقه العالية وعمله الدؤوب من خلال تطوعهما ضمن فريق جمعية التوبة الخيرية ومن بين روائح الغاز المسيل للدموع وصوت الرصاص انطلقت نظرة قبول بين الزميلين فقبل كل منهما بالآخر زوجا.
شخصية قوية
ولهديل حسب ما قال خطيبها معاذ "للرسالة" شخصية قوية جسورة، لا تخاف، فكانت تسارع لإسعاف الجرحى وتركض مسرعة وتضمد الجراح بكل جرأة وتدخل إلى مسافات قريبة من الأسلاك الشائكة لتلتقط جريحا أو لتقدم له شيئا من الإسعاف الأولي حتى نقله، وهذا ما جعله يعرض الزواج عليها في مشهد مشابه أثناء ركضهم لإسعاف أحدهم، فقرر أن تلك اللحظة الأنسب لعقد قرانهم تجرأ وطلب يدها، وشريكته "هديل" لم تتردد لحظة فكانت فخورة بارتباطها به.
ويذكر معاذ لحظة اللقاء الأول حينما اندفع أحد الشباب إلى ما وراء السلك الفاصل فأطلقت قوات الاحتلال صوبه النار فركضت نحوه لاإراديا ففوجئ بهديل تركض معه وتجتاز السلك الفاصل بكل جرأة، بل وتساعده في تضميد جرح خطير، فالشاب الذي أصيب أمامهم بترت قدمه بفعل الإصابة.
ويكمل معاذ: أكثر ما لفت نظري في هديل جرأتها الكبيرة، رغم أنها فتاة رقيقة، لكنها لا تخاف، بل كانت في أعلى درجات هدوئها، تتصرف بحكمة وتكتيك دون أن يسيطر عليها الخوف والتوتر بسبب الموقف!
ويحكي أن خطيبته "هديل" لم تكن تخشى الاصابات الخطيرة أو تكترث لرصاص الاحتلال، بل كانت تساعده في تقديم الإسعافات الأولية للجرحى.
ويضيف متعجبا: هناك مشهد القدم المبتورة الذي يرعب كل فتاة، بالإضافة إلى طلقات الاحتلال التي لا تنتهي فوق رؤوسنا، يعني ذلك أننا محاطون بالخطر من جميع الجهات، ومع ذلك كانت هديل تساعدني في عمل الإسعافات الأولية للمصاب، فأطلب منها الأدوات وأوجهها إلى الطريقة الصحيحة في المساعدة.
ظروف صعبة
ولأن شيئا ثانويا أمام من يشتري الرجال، رد والد هديل على معاذ فورا حينما أخبره بانه لا يملك المال لدفع المهر إلا بعد عام، فقال له" روح جيب ابوك وتعال" هكذا عقد الزواج على مهر مؤجل حتى تتحسن أوضاع عمله، فهو ما زال متطوعا ووالده لا يمتلك المال، وقالها صراحة للرسالة: ذهبت لخطبتها وأنا لا أملك إلا ثلاثة شواكل، فوافق والدها رغم ذلك ورحب بي.
ولم تخف هديل فرحتها في خطبتها على شاب شاركها يوما وقفة على الحدود وحلما بالعودة وانقاذا لآلاف المصابين وما زالوا حتى اليوم على رباطهما على الحدود يرتديان ملابسهما البيضاء وعلى أهبة الاستعداد معا لتقديم كثير من المساعدات الطبية رغم استهداف الاحتلال للطواقم الطبية في كل مرة وعدم مراعاتها القوانين الإنسانية للتعامل مع جماهير سلمية تطالب بحقها في العودة إلى وطنها المسلوب.