قال كاتب بريطاني مرموق إن الانتخابات النيابية الجارية في العراق ونقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، من المؤشرات لمدى الضرر الذي ألحقه الرئيس دونالد ترامب بالشرق الأوسط.
ورأى باتريك كوبيرن في مقاله بصحيفة "إندبندنت" اللندنية أن ترامب ظل منذ مجيئه إلى السلطة ينسف ثوابت السياسة الخارجية الأميركية نسفا، مما تسبب في ارتفاع "الحرارة السياسية" باطراد في منطقة الشرق الأوسط.
وساق الكاتب بعض الشواهد التي تؤكد مقدار الأذى الذي يلحقه ترامب بسياساته في المنطقة. وقال إن الرئيس الأميركي في أسبوع واحد قرر الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وشنت إسرائيل غارات عنيفة على أهداف إيرانية في سوريا.
وأضاف أن الأسبوع الحالي قد يشهد تطورات خطيرة مماثلة، فالعراقيون سينتخبون اليوم ممثليهم في البرلمان، وكلٌّ من أميركا وإيران يدعم أطرافا مختلفة في هذه الانتخابات في مسعى منهما لضمان وصول حكومة عراقية موالية لكل منهما.
وبعد يومين من انتخابات العراق -أي في 14 من الشهر الجاري- ستنتقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وفي اليوم نفسه سيشارك آلاف الفلسطينيين في مسيرة العودة انطلاقا من قطاع غزة.
وبحسب كوبيرن، فإن عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ظلت منذ زمن طويل في حالة احتضار، وقد زاد ترامب الطين بلة عندما قال "بوقاحة" إن على الفلسطينيين ألا يتوقعوا شيئا من الدبلوماسية.
واستطرد الصحفي البريطاني قائلا إن الخطورة تكمن في أن ترامب سيخطئ في تقدير قوته، شأنه في ذلك شأن الكثير من الزعماء الشعبويين الآخرين. فموقف الولايات المتحدة -بدءا من حدود أفغانستان الشرقية وحتى تخوم البحر الأبيض المتوسط- ليس قويا، والرئيس الأميركي يتطلع إلى القوى الإقليمية مثل إسرائيل والسعودية لكن البلدين لن يستطيعا أن يفعلا الشيء الكثير له كما يظن.
وهناك ثمن دبلوماسي يتعين دفعه لتجاهله حلفاءه من الأوروبيين وغيرهم الذين رأوا أن إرضاءهم لترامب جعلهم يراوحون مكانهم، وكان استخفافه بهم مؤشر ضعف.
"
قد لا تعدو محاولة إيجاد نقاط توافق بين الزعيمين أن تكون نتاج خيال جامح أو ضربا من ضروب الشطط في إطلاق الأحكام، رغم وجود قرائن تبرر المقارنة مع الأخذ في الاعتبار تباين الظروف السياسية والسياق التاريخي والفارق الزمني
"
ترامب وهتلر.. هل من تشابه؟
ويمضي الكاتب في مقاله إلى أن ترامب قد يظن أن القضية الفلسطينية ستذهب أدراج الرياح، مع أنها لطالما ظلت صامدة بعناد طوال القرن الماضي. وقد يعتقد أن العراق يمكن عزله سياسيا عن إيران، لكن ذلك لن يحدث.
ثم إن الرئيس الأميركي يتوقع على ما يبدو أن تؤدي العقوبات الاقتصادية إلى تغيير النظام أو استسلام "مهين" لإيران، ومع ذلك فليس ثمة سبب يدعو للاعتقاد أن شيئا من هذا القبيل سيحدث.
وفي اعتقاد كوبيرن أن ترمب ربما لا ينوي خوض غمار حرب في الشرق الأوسط، لكنه لن يتسنى له الحصول على ما يريد من دونها أو حتى مع شنها.
على أن ما يلفت الانتباه في مقالة هذا الكاتب المعروف، أنه حاول في مستهلها الإيحاء بأن ثمة تشابها بين شخصية دونالد ترامب والزعيم النازي أدولف هتلر، دون أن يصرح علنا بذلك لاعتبارات لا تفوت على فطنة القارئ.
ولكيلا يذهب القارئ بعيدا في حكمه، ذكر كوبيرن أنه يشعر بأن من السابق لأوانه مقارنة ترامب بالطغاة الذين انتخبتهم شعوبهم في الماضي، من أمثال هتلر والزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني.
وقد لا تعدو محاولة إيجاد نقاط توافق بين الزعيمين أن تكون نتاج خيال جامح أو ضربا من ضروب الشطط في إطلاق الأحكام، رغم وجود قرائن تبرر المقارنة مع الأخذ في الاعتبار تباين الظروف السياسية والسياق التاريخي والفارق الزمني.
فالكاتب استهل مقاله بإيراد مقتطفات من افتتاحية لصحيفة نيويورك تايمز يعود تاريخها إلى 31 يناير/كانون الثاني 1933، تحت عنوان "مغامرات ألمانيا".
وفي تلك الافتتاحية، تناولت الصحيفة الصعود السريع لأدولف هتلر وخلصت إلى أنه لن يستطيع أن يترجم أفكاره المتطرفة وتهديداته التي ظل يطلقها في حملته الانتخابية ضد مؤسسات الحكم في بلاده.
وعزت الصحيفة ذلك إلى أن هتلر عندما يعتلي سدة الحكم سيواجه معارضة حتى من وزرائه، وأنه لن يتمكن من إحداث التغيير الذي ظل يبشر به حتى في السياسة الخارجية.وفي سوء تقدير للحسابات السياسية، كتبت نيويورك تايمز في افتتاحيتها آنذاك قائلة "قد نشاهد بعض التحول (في المواقف والأفكار) عندما يشق زعيم الغوغائيين طريقه إلى موقع المسؤولية"، في إشارة إلى هتلر.
غير أن التاريخ سجل أن هتلر كان وفيا لأفكاره وآرائه الصارخة التي أطلقها إبان حملته الانتخابية، وتحولت بالفعل إلى سياسة عندما تبوأ منصب المستشار، وهو اللقب الرسمي لرئيس الحكومة في ألمانيا.