قائمة الموقع

مقال: رمضان بين غصة الحصار وعزة الانتصار

2018-05-16T12:06:13+03:00
غزة - الرسالة نت

تعصف بنا السنين متشابهة , وتمر علينا الشهور متتالية متتابعة في ظل الحصار الظالم والخانق , لا يختلف منها شهر عن شهر , ويأتي رمضان الذي فضله الله عن باقي شهور السنة فنشعر بروحانيته الإيمانية وراحته النفسية , فنراه ليس كباقي شهور السنة , فهو شهر الصوم الذي يُعد أحد أركان الإسلام الخمسة وأحد أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله , نرى نهاره أجمل ونحس بمتعة الإيمان أنقى ونبصر بشمسه وأضواءه أبهى ونشعر بليله أهنأ , فما اختلفت الشهور في ذاتها لكن الذي اختلف هو واقعنا , فبرغم حصارنا وجراحنا وأوجاعنا فإننا ننسى متاعبنا في رمضان تستريح نفوسنا وتطمئن قلوبنا , ونحاول بالصبر والإيمان الابتعاد عن همومنا وآلامنا فنسعد ونبتسم للناس وللحياة فتبتسم لنا الحياة بمشيئة الله .

ها هو شهر رمضان قد هل بهلاله المبارك علينا في ظل الحصار والآلام والأحزان ونحن صابرون كالمسافر الذي يجتاز بالدنيا مسرعاً فيبصر عن بعد الغيوم والمباني والمساكن وكل ما على الطريق من جمال , لكنه لا ينعم بالحرية والأمن والأمان أو الاستقرار , فنحن أبناء غزة هاشم إذا صبرنا وتمهلنا وقاومنا سننعم بالحرية والاستقلال وسنستمتع بوطننا بأمن وأمان , فما الحياة إلا سفر وجهاد , وما نحن إلا ركب الحياة نجملها بالصبر والصوم والإيمان .

كان قائدنا وقدوتنا نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يُقبل رمضان يدعو الناس على أن يكونوا أصحاب همم وطاقات إيمانية كبيرة ، مهما اختلفت وتباينت ظروف الحياة ، واختلف عليها العسر واليسر ، والانكسار والانتصار ، ولقد علَّمنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم على أن نستبق الخيرات ، وأن لا نستسلم للشهوات المادية الحياتية التي هي استرخاء ورضوخ للشيطان ، وعلمنا حبيبنا أيضاً أن الحرص على نمط معين من الملذات هي سقوط بالهمة ، وانهيار للعزيمة .

لكن قادتنا اليوم لا يأبهون بشهر الصوم شهر الرحمة والمغفرة , يغمضون عيونهم عن أوجاعنا وآلامنا ويتباهون بقصورهم وكراسيهم وجمال روض حدائقهم وبساتينهم , وبهاء أجوائهم وفتنة نسائهم وملئ كروشهم , لا ينظرون إلا لغاية المال ونساء الجمال , ينسون في رمضان إيمان الدين ومحاسبة النفس , شهيتهم مفتوحة دوماً لملذات الحياة وما الحياة إلا متاع الغرور , لا يفقهون قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " إنما أخشى عليكم شهوات العي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى .. تعس عبد الدينار , تعس عبد الدرهم , تعس عبد القطيفة , تعس عبد الخميصة , فالقطيفة والخميصة أنواع من الأقمشة والملبوسات تمتاز بالفخامة والنعومة يحرص عليها طلاب الراحة وعبيد المثل الدنيا لا المثل العُليا .

ما أحقر هؤلاء القادة المنهزمين المنبطحين للاحتلال عندما يجيء شهر رمضان المبارك لا يُحاسبون أنفسهم ولا يرحمون شعبهم صغيرهم وكبيرهم , يحرموننا فرحة مجيء شهر الخير والطاعات , يشددون الحصار علينا ويتسببون في قتلنا , ما أحقرهم وأيديهم ملطخة بآلامنا وأحزاننا وأوجاعنا , يتناسون أبسط حقوق الناس ويحرمون أبناء الوطن من أبسط مستلزمات ومقومات الحياة والعيش الكريم .

أيها القادة استحضروا ماضي الأجداد وخذوا العبر منهم واغتنموا شهر الرحمة والمغفرة وأحسنوا وأتقنوا العبادة فالمرحلة التي يمر بها أبناء شعبنا لا تتحمل أكثر من ذلك في أعقاب المتاعب التي أصابته , أعيدوا النظر في ظلمكم للأُسر والأفراد والجماعات المنكوبة خاصة في غزة هاشم غزة الفخر والعزة , لعل فريضة الصيام تذكركم بحقيقة نفوسكم التائهة وتعودون إلى أحضان أبناء وطنكم المحاصَر .

اغتنموا فرصة شهر الرحمة والمغفرة وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا , وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم , وأحدثوا تغييراً شاملاً في سلوككم الديني والأخلاقي والوطني القومي , واجعلوا الزرع يُزهر بين الصغار والكبار من أبناء جلدتكم , اجعلوه ممزوجاً بالسعة والمرح والفرح , فطالما ابتهجوا في أيام رمضان فإنهم سيبتهجون في العيد وعلى مدار العام بأمان وسلام .        

 

 

 

اخبار ذات صلة