على نهج المقعد

مكتوب: "فادي أبو صلاح".. العملاق الذي استشهد بنصف جسد !

خلال مشاركة الشهيد في مسيرة العودة الكبرى
خلال مشاركة الشهيد في مسيرة العودة الكبرى

غزة- ياسمين عنبر

كان يود "فادي" لو يعود جزء واحد منه على الأقل إلى قريته التي هجر منها وعرفها قصصاً وخيالاتٍ فقط.

لا يختلف اثنان على الحدود الشرقية لخانيونس، أن قوة خرافية دُبَّت في جسد "فادي" فلم يبدُ أبدًا بلا قدمين! فربما يملك ما هو أقوى من القدمين اللتين يملكها الأصحاء.

قدماه سبقتاه للجنان ولبى نداءها "أن تأخرت كثيراً لكنك جئت في النهاية ملبياً"، فلطالما قال: "قدماي ينادياني من مقعدها في الجنة أن طال الغياب".

قبل شهور انتفض المقعد "إبراهيم أبو ثريا" على حدود غزة وأقسم أنه سيثأر للقدس، يوم أن أعلن ترامب عن نقل السفارة الامريكية إلى القدس، ولو كلفه ذلك ارتقاء روحه.

استشهد "أبو ثريا" فكانت شجاعته الملهم للشهيد "فادي أبو صلاح" مبتور القدمين، لتشهد الحدود ببطولاته منذ أول جمعة أعلن فيها عن مسيرات العودةـ، فيقدم روحه يوم نقل السفارة إلى القدس، يوم مليونية العودة، بينما كان الملهم لكليهما الشيخ الشهيد المقعد "احمد ياسين".

"كله يما فدا الوطن" تستذكر والدته حين كانت توصيه بأن إصابته تكفيه، فيكون هذا الجواب جاهزًا، كما همته الحاضرة معه لا تفارقه، تكمل بحرقة: "أمهات الشهدا انحرق قلبهم مرة وأنا انحرق قلبي مرات كتير عليك يما".

قهر كبير أصاب الجندي الذي يراقب المنتفضين على حدود خانيونس، كان ينظر إلى "فادي" بغضب فأطلق الرصاص على جسده بشكل مباشر ما أدى إلى قتله.

برصاصة في الراس أنهت (إسرائيل) حياة المقعد "فادي"، رغم أنه كان برفقة الشبان الثائرين السلميين في خيام العودة، يحكي شقيقه: "القناصة استهدفت فادي بشكل مباشر ومقصود".

"كيف لمبتور القدمين أن يرعب الجنود المدججين بالسلاح!؟"، يتساءل شقيقه، ويكمل: "كان فادي كأي شاب في غزة يحلم بحياة كريمة لأبنائه ويتمنى أن يرى أطفاله كبروا أمام عينيه".

"كانوا فرحة حياته"، تحكي والدته عن أبنائه الخمسة الذين أعادوا له الأمل في الحياة بعد أن عاش يأسًا كبيرًا جراء إصابة قدميه.

ففي عدوان الفرقان على غزة 2008 قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي بيته في خانيونس جنوب القطاع، ما أدى إلى فقد ساقيه، تحكي والدته: "لم تثنه إصابته عن المشاركة في مسيرات العودة، فقد اعتدنا عليه دومًا في الصفوف الأولى".

تصادفت إصابة الشهيد "فادي" مع الذكرى العاشرة لبتر قدميه، فأتى صوت أمه مرتجفًا تقول: "قبل عشر سنوات سبقته قدماه واليوم اكتمل الجسد".

نصف جسد كان عند ثلاجات الموتى، لكنه بدا في نظر الجميع عملاقًا، بعد أن تساءلوا كيف لهذا النصف أن يهدد أمن (إسرائيل) وهي التي تعلم أنه لا حول له ولا قوة، "لكنها تعلم كيف يزرع التحدي في نفوس الفلسطينيين حين يتعرضون للظلم" يقول شقيقه.

حقوقيون جزموا أن (إسرائيل) أصيبت بالهوس، حيث لا تفرق بين طفل وشاب ومقعد وجريح وضعيف وقوي، كما وصفوا الجنود على الحدود بأنهم "مجرمو حرب"، لاستهدافهم قعيدًا كـ "أبو صلاح" وأشخاصًا كثر من ذوي الإعاقات.

كأن الشهيد "فادي" كان يشعر بقرب رحيله، فما انفك في آخر أيامه يوصي زوجته العشرينية بأبنائه الخمسة، تقول باكية: "لم أتوقع أن يخرج فادي ويودعنا بضحكاته ويعود محمولًا على الأكتاف بدمائه".

تدرك زوجة الشهيد ماذا يعني أن تصبح الأم والأب لأبنائها، تحكي وما فتئت تنظر إلى صور زوجها قبالتها: "فادي ترك فراغ كبير.. كان فرحة حياتنا رغم إصابته، كنا نحلم نفرح بأولادنا سوا".

كرسي متحرك أمام سرادق العزاء، كان يوجع زوجة الشهيد "فادي"، فبمجرد لمحه فارغًا كما تقول فإنها تنفجر باكية.. ذاك الكرسي الذي صممه فادي على شكل دراجة، والذي كان يقلهم إلى مخيمات العودة.

تساؤلات كثيرة تدور في خلد الزوجة ختمت بها حديثها كان أبرزها: "بأي ذنب قتل"، وأوجعه "لمن ترك الأولاد؟!"، فيما كان السؤال الذي يدور في ذهن الجميع: "كيف لنصف جسد أن يهزم جنرالات الاحتلال؟!"

البث المباشر