لم تكتف الولايات المتحدة بنقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس، بل وأعلنت على لسان كوشنير مستشار الرئيس ترامب خلال احتفالات نقل السفارة بأن (إسرائيل) وصية على القدس وكل ما فيها وهو ما اعتبره محللون اردنيون ضوءا أخضرا وتعديا على الوصاية الأردنية على المدينة وإيقافا لمعاهدات قد وقعت بهذا الشأن.
وندد محمد المومني المتحدث باسم الحكومة الأردنية بتصريحات كوشنير حول الوصاية، واعتبرها منافية للقوانين والأنظمة الدولية.
وقال المومني في تصريح للتلفزيون الرسمي الأردني، إن القانون الدولي يشير بوضوح إلى أن "القدس الشرقية أرض محتلة"، لافتا إلى أن تصريحات كوشنير تتنافى حتى مع الموقف الرسمي الأمريكي الذي عبر عنه نائب الرئيس الأمريكي ووزير الخارجية.
الغاء الاتفاقيات
الصحافي والكاتب الأردني عاطف الجولاني مدير تحرير صحيفة السبيل يعلق على موقف الحكومة الأردنية في لقاء هاتفي مع "الرسالة" قائلا: المستوى العربي كله في حالة صمت مقصود تجاه الموقف وهذا نتاج طبيعي لضغط أمريكي على تلك الجهات، مشددا على تقدم الموقف الأردني وخاصة في مشاركته بالقمة الإسلامية في تركيا.
ولفت إلى أن المواقف العربية والإسلامية أضعفت الأردن وجعلتها منفردة في مواجهة القرار الأمريكي ورغم ذلك فإنه من غير المقبول اردنيا ما جرى في القدس، ولن يمر هذا القرار في حالة من الصمت والتجاهل يتوقع جولاني.
وبحسب الكاتب الأردني فإن هذه القرارات ستؤثر في الفترة القادمة على الاتفاقيات الموقعة رغم عدم التطرق لموضوع المقدسات والوصاية الأردنية عليها.
ويقول: الاعتراف بالقدس كعاصمة شطب لأي ولاية عربية لأن القدس أصبحت خارج دائرة البحث والتفاوض والنقاش السياسي، وبالتالي فإن كل ذلك سيؤثر على وصاية الأردن على المسجد الأقصى.
ولا يرى جولاني أن الموقف الشعبي الأردني صامت بالمطلق، مستشهدا ببعض المسيرات الشعبية التي بدأت بالفعل كتعبير قوي ضد إجراءات نقل السفارة، مؤكدا أن الموقف الشعبي لم يتوقف عن التعبير عن رفضه وهو موقف متقدم إذا ما قورن بالمواقف الشعبية العربية الأخرى، ولكن بالمجمل حسب رأي جولاني فإن الموقف الشعبي العربي لا يرقى لحجم خطورة الموقف.
في المقابل الكاتب الأردني ماهر أبو طير يرى في مقال له أن تصريحات كوشنير واضحة، وهي تعني أن الوصاية السياسية على القدس، من حيث شمولها اسرائيليا لكل المدينة، بما يعنيه ذلك من الغاء فعلي لحل الدولتين، القائم على كون القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين.
ويعتبر أن ما جرى هو بمثابة إطلاق يد (إسرائيل) في كل القدس، من اجل تغيير واقعها الديموغرافي والثقافي والديني والاجتماعي، باعتبارها عاصمة موحدة لـ(إسرائيل)، موضحا أن الحديث يشمل الحرم القدسي، اي المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة.
يذكر أن الموقف الأردني قد تراجع بصورة ملحوظة عقب زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس للأردن حيث دارت احاديث بعد الزيارة عن زيادة في قيمة المنحة المالية المقدمة الى الأردن ابتداء من العام المالي 2018 وحتى العام المالي 2022.
وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني قال في 31 كانون ثاني/يناير الماضي إن بلده يتعرض لضغوط اقتصادية بسبب الموقف الأردني من القرار الأمريكي الأخير باعتبار القدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل).
خصوصية الاردن
وتعتبر الأردن ذات خصوصية في قضية القدس لأنها المسؤولة بشكل مباشر عن المقدسات الإسلامية في المدينة منذ عام 1924، حينما أعلنت وصايتها رسميا على القدس وفق بيعة عربية للشريف الحسين في ذلك الوقت.
وبعد ذلك جاءت اتفاقية وادي عربة عام 1994 لتؤكد تلك الوصايا حيث نصت المادة التاسعة من المعاهدة، على أنه "سيمنح كل طرف للطرف الآخر حرية الوصول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية، بما يتماشى مع إعلان واشنطن، على أن تحترم (إسرائيل) الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس".
وفي لقاء معه لا يرى زياد الحموري المختص في قضايا القدس أن هناك تراجعا في الموقف الأردني، بل يؤكد أنه ما زال الأقوى حتى الآن مقارنة بالدول العربية حيث ما زال متمسكا بإدارة المقدسات رغم الضغط العربي الكبير على الأردن خلال الأشهر الماضية.
ويؤكد على وجوب التفريق بين المواقف العربية والموقف الأردني، فتخاذل الموقف العربي وصل لدرجة التواطؤ والدعم الواضح، وإذا كان هناك تخوف من أي ضغوطات على الأردن فإن تلك الضغوطات قادمة من هذه الدول العربية.
وفي ذات السياق الدكتور ناجح بكيرات رئيس قسم المخطوطات في المسجد الأقصى ثمن في مكالمة مع "الرسالة" دور الأردن واعتبره الأقوى حتى الآن مستشهدا بخروج عدد من المسيرات في عمان اعتراضا على نقل السفارة وتصريحات كوشنر الذي لا يملك في القدس شيئا ليصرح بأن (إسرائيل) هي المسؤولة عن إدارة مؤسساتها ويقرر من يملك الوصايا عليها حسب تعبير بكيرات.
ويلفت بكيرات إلى تصريحات الأردن التي تؤكد عدم احقية كوشنير ولا نتنياهو بالوصاية الأردنية حسب الاتفاقيات الدولية الموقعة منذ عام 1967 ومن ضمنها وصايتها على الأقصى والبلدة القديمة، قائلا أنه ومنذ الحديث عن نقل السفارة في نهاية 2017، ونحن نشعر جميعا أن هناك مؤامرة على إدارة الأردن للمدينة وبالتالي فإننا نتوقع أن هناك تحالفا امريكيا صهيونيا ضد الأردن والقضية الفلسطينية، لن يمر ولن ينجح.