غزة-محمود هنية محرر
انتشرت صورة عبر وسائط التواصل الاجتماعي لمجموعة من الشخصيات الإماراتية تصلي في باحات المسجد الأقصى؛ لتندلع إثرها مجموعة من المواقف الساخطة والمنددة بالحدث.
الصلاة كانت تحت حراب الاحتلال وبحماية جنوده، بعد أن وصلوا من باب المغاربة المخصص لليهود، وجاءت تتويجا لسلسلة من الإجراءات التطبيعية التي أفضت للإعلان عن إقامة العلاقات بين الإمارات والكيان، عبّرت في الوقت ذاته عن تدشين سطوة أبو ظبي على الوصاية الدينية تجاه المسجد.
وكشفت في وقت سابق شخصيات مقدسية عن أن أبو ظبي لعبت دورا مركزيا في نقل منازل وعقارات مقدسية وتسريبها لصالح عصابات (إسرائيلية)، ليبقى السؤال المحوري: هل تمهد الإمارات لتنافس على موقع الوصاية؟
** جذور الوصاية!
وتعود جذور الوصاية الهاشمية إلى العام 1924، عندما بايع سكانها الشريف حسين وصياً على القدس. وقد استمرت هذه الوصاية على الرغم من حربي 1948 و1967 وفكّ الارتباط بين الضفّتين في 1988.
وشكَّل النشاط الخليجي في القدس حالة قلق للمملكة الأردنية، وخصوصاً مع بدء التحرّك السعودي والإماراتي في العام 2016 لتشكيل وفد من سكان المدينة لإجراء زيارة للملك سلمان بهدف مبايعته بعد عام من توليه الحكم في السعودية، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل.
وعلى خلفية هذه الزيارات، تسرَّبت 27 شقة في سلوان في عهد وزير إسكان الاحتلال أوري أرائيل. وتركَّزت عملية البيع على شراء منازل أثرية في منطقة "جنوب الأقصى"، وتحديداً منطقة وادي حلوة، بجوار منطقة القصور الأموية والعباسية، وهي منطقة تمتدّ من محراب الأقصى القبلي نزولاً إلى مسجد سلوان.
وبموجب الصّفقات التي قام بها وسيط معروف لأهل المدينة، جرى شراء شقق من مستأجرين لا يملكون هذه البيوت، وسمح لبعضهم ببناء طوابق عديدة فوق بيوتهم المهترئة.
وبعد تحقيق اللجان المقدسيّة، ثبت وقوف جهات خليجية خلف المشتري، بحسب د. جمال عمرو، الخبير في شؤون مدينة القدس.
وإلى جانب التّمويل الخليجيّ لشراء هذه المنازل، تنشط 27 مؤسَّسة إسرائيلية في عملية البيع والشراء، أهمها شركات "إلعاد" و"بيت كوهنيم" و"غوش أمونيم"، وهي تقدم دعماً سنوياً بـقرابة 40 مليون دولار. وقد أنيط بها التصرف بالعقارات في محيط الأقصى وحفر الأنفاق في أعماقه، وهي المسؤولة عن تشييد "مدينة داوود" أسفل الأقصى، وفقًا لعمرو.
أغرت عمليّة تسريب العقارات الدول الخليجية ذات العلاقة، فلجأت إلى مرحلة ثانية، في محاولةٍ لشراء عقارات دينية تاريخية وافتتاحها كعقارٍ لممثليات ثقافية تابعة لها، بهدف إيجاد موطئ قدمٍ لها في عملية التمثيل في المدينة والتسلّل عن طريق تمثيلٍ رسميٍّ فيها.
فطن المقدسيّون لهذه المحاولة التي تمثّلت في السعي لشراء زاوية الغوانمة بمليونين ونصف مليون دولار، لجعلها مركزاً بحثياً بحرينياً، فطلبت وزارة الأوقاف من البحرين تحويله إليها، ودشَّنت فيه 120 حماماً تقريباً، ما دفع الاحتلال إلى إغلاقه.
** محاولة الانقضاض!
وفي خضمّ هذه المرحلة، تولّدت مخاوف أخرى لدى قيادة السلطة من تأمين بديل عربي في المفاوضات، وخصوصاً مع الكشف عن لقاء جمع الأردن والسعودية ومصر والولايات المتحدة في العقبة في كانون الثاني/يناير 2017. وقد أثارت القمة مخاوف حقيقية لدى السلطة من وجود صناعة بديل تمثيلي عربي منها.
وإزاء هذه الضغوط، وجدت المملكة الأردنية نفسها أمام خطر يتهدَّد وصايتها على القدس، وخصوصاً أنّ إعلان واشنطن يتحدَّث "عن دورٍ للمملكة في أيّ اتفاق نهائي"، من دون تحديد ماهية هذا الدور.
ويمكن القول إنَّ السّلطة الفلسطينيّة، وبعد توقيع اتفاقها مع الأردن في العام 2013، والذي يؤكّد الوصاية الهاشمية، باتت خارج دائرة الفعل بالنسبة إلى المواجهة السعودية الأردنية على المقدّسات.
ويشكّل هاجس البديل السّعودي التفاوضيّ عن السّلطة أولوية أكبر لديها من هاجس التمثيل السعودي للمدينة. وتعتقد السّلطة أنَّ السعودية هي أحد الأطراف العربيّة التي عملت عرابا رئيسيّا في "صفقة القرن".
** عناوين التصدي!
في ضوء هذه المحاولات، أكدّ الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، أن الشعب لن يسمح بمرور المشروع الإماراتي الإسرائيلي على حساب حق المسلمين في الأقصى المبارك".
وقال الخطيب لــ"الرسالة نت": "أي خطوة لا تكون عبر شعبنا محكوم عليها بالفشل، يمكن للإمارات أن تقيم علاقات حميمة مع (إسرائيل) استكمالا لما بدأوا به منذ سنوات؛ لكن فرق ان يكون مركزها (تل أبيب) أو القدس والاقصى".
وأضاف الخطيب: "مشهد ذلك المطبع السعودي الذي دخل إلى الأقصى قبل عامين، حتما سيتكرر، ولن يسع أية شخصية إماراتية إلا أن تدخل من باب المغاربة حيث المستوطنين وبحماية المخابرات الإسرائيلية".
وتابع: "أي عار سيوصم به هؤلاء المطبعين عندما يدخلون باب المغاربة مع اليهود، لتكون العلاقة التي تجمع الاماراتي المطبع مع اليهودي في حال أراد أن يضرب عرض الحائط بمشاعر المسلمين أصحاب الحق الأوحد في القدس".
وستظلّ القدس ساحة نزال سعودية من جانب، ومقدسية أردنية من جانب آخر، نظراً إلى ما يمكن أن تشكّله من رافعة سياسية لدور الرياض في المنطقة، لكنّ قدرة الصدّ الأردنية تبقى محدودة مقارنة بقدرة الصدّ الشعبية المقدسية التي نجحت عملياً في إفشال محاولات المملكة في التغلغل في المدينة وإجهاضها في مهدها.
وعلى الرغم من التقارب الأميركي الإسرائيلي مع السعودية، فإنَّ الموقع الجيوسياسي للمملكة الأردنية وعلاقاتها الأمنية والسياسية والعسكرية مع (إسرائيل)، تشكل عامل كبح لجماح أي محاولة تتجاوزها في الوصاية، ما يعزز إمكانية التوصل إلى تفاهم يجري بموجبه تقاسم الامتيازات بين السعودية والأردن في المدينة، بما يترك موطئ قدم للرياض، ولو شكلياً، في الإدارة الفنية للمقدسات في القدس.