بعد مليونية العودة

مكتوب: ما يجب أن يتفاداه المجتمع الدولي في غزة

المجتمع الدولي
المجتمع الدولي

الرسالة نت - أحمد الكومي

حال الدعاية الإسرائيلية بعد تاريخ 14 مايو ليس كما قبلها. يمكن لأي متابع أن يلحظ ذلك في قنوات التلفزة الإسرائيلية وأقلام المراقبين الذين اتفقوا بكثير من النشوة، على أن ما جرى في غزة كان عبارة عن فشل كبير لحركة حماس، في أول اختبار لتسيير تظاهرة فلسطينية مدنية لاجتياز الحدود إلى أراضينا المحتلة.

ينبغي الاعتراف بأن جيش الاحتلال نجح في معركة الصدّ، لكن بأساليبه المعروفة عنه، في القسوة والوحشية، التي جلبت له إدانات دولية واسعة وحرجا أمميا، نزعت منه فرصة الاحتفاء بنفل السفارة الأمريكية إلى القدس، والانشغال في محاولة نفي التهمة عن نفسه، وهو أمر يسجّل لحماس، ويدعم أيضا الرواية الفلسطينية، حتى إنه منح السلطة الفلسطينية، التي تحتفظ بمواقف رمادية من مسيرات العودة، مساحة للتحرك أمميا، ورُفعت غزة الى العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام الدولية.

يحاولون في (إسرائيل) تجاهل هذه الإدانات بإشاعة أجواء "الإحساس بالنصر" لدى الجيش، والإيهام بأن حماس لم تخرج من مربع الضعف، وأن محاولاتها فشلت للخروج منه عبر مسيرات العودة، ويسري اعتقاد لديهم بأنهم نجحوا في احتواء التصعيد القادم من غزة، وأن ما أفسدته الأحداث ستصلحه الأيام، والإشارة هنا تحديداً إلى تأزّم العلاقة بين (تل أبيب) وأنقرة، وطرد الأخيرة للسفير الإسرائيلي، وإعادة سفير جنوب أفريقيا إلى بلاده، نتيجة "حمّام الدم" في غزة.

تتعامل (إسرائيل) مع مسيرات العودة على أنها "خطة ب" لدى حماس في غزة، بعد فشل المصالحة مع السلطة الفلسطينية عبر بوابة مصر، وترى أنه ليس لدى حماس بدائل أخرى تنتقل لها، وبالتالي تستخلص نفاد خيارات الحركة، وتعوّل على الخفوت التدريجي للمتظاهرين شرقا، وتستثني أي تقديرات حذرة بشأن ما يمكن أن تصل إليه الأوضاع في القطاع، وهذه مسألة يجب أن تستدعي قلق المجتمع الدولي، الذي يجب ألا يتجاهل حالة ضبط النفس العالية التي تحافظ عليها حماس بعدم الانجرار إلى تصعيد مسلح، لا تريده كل الأطراف بمن فيهم (إسرائيل).

قدّمت حماس في الأيام القليلة الماضية مؤشرات بأن استمرار نزف الدم قد يجر إلى معركة مسلحة، وبدا ذلك في تصريح للقيادي بالحركة خليل الحية في نهاية يوم مليونية العودة 14 مايو بأن "صبر كتائب القسام لن يطول"، وهذه رسائل مهمة يجب أن يلتقطها المجتمع الدولي تحديدا، بأن يصون ويدافع عن سلمية ومدنية الحراك الحاصل في غزة، إلى جوار القوى والفصائل الوطنية بمن فيهم حماس، الفصيل الأكثر تسليحا في القطاع، وأن يتعامل ويتابع بجدية بالغة تشكيل لجان تحقيق في المجزرة، والبحث بموازاة ذلك عن "حلول صادقة" هذه المرّة لإنقاذ الوضع الإنساني في غزة، قبل أن يكون الجميع مضطرا لتحمّل مسؤولية "حرب رابعة" لن يسلم منها أحد.

ومما يرفع أهمية ذلك، أن حماس ستواصل، وفق ما هو قائم، التوجه نحو الحدود وإشغالها؛ لأنها تعتبرها "صيغة ناجحة" لممارسة الضغط على (إسرائيل)، وستحافظ على سلوكها المدني الشعبي في تحصيل ما من شأنه إنهاء الحصار عن القطاع، مما يعني استمرار الصدام، وبالتالي لا يستطيع أحد توقّع ما قد تجرّنا إليه بندقية جندي إسرائيلي متعطّش للقتل على حدود غزة.

في المقابل، لا تملك (إسرائيل) على ما يبدو استراتيجية واضحة للتعامل مع قطاع غزة، ولا يوجد ما يؤشر إلى أنها ستتعامل أو تنظر بجدية إلى المبادرات المطروحة إقليميا ودوليا بعد 14 مايو، فوزير الحرب الإسرائيلي ليبرمان قال ما نصّه: "أعطينا حزب الله الهدوء في 2006. وتلقينا بعد 12 سنة حزب الله آخر تماماً، مدربا جيداً، مع عشرات آلاف الصواريخ. هذا ما تريد حماس أن يحصل في الجنوب".

البث المباشر