تصرّ السلطة الفلسطينية مواصلة العزف على روايتها الممجوجة بتقديم احالة بلاغ للمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، بشأن فتح تحقيقات حول ارتكاب الاحتلال لجرائم حرب ضد سكان قطاع غزة.
السلطة التي واصلت مماطلتها لثلاث سنوات منذ انضمامها لميثاق روما في شهر ابريل من عام 2015، في تقديم طلب الاحالة للمدعي العام والذي بموجبه يفتح الأخير التحقيق بالجرائم، أعلنت عن تقديم الطلب أخيرًا بعد استهداف المتظاهرين السلميين على حدود غزة يوم الرابع عشر من الشهر الجاري، ليتبيّن أنها احالة منقوصة وغير كاملة.
الاحالة بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، لم تتضمن اي ملف من الملفات الثلاثة المعدة، كما أنها لم تتضمن ذكر أي اسم من اسماء قادة الاحتلال المتورطين في الجريمة، وهو ما يعني حقيقة عدم وجود مدان يستوجب ملاحقته من المحكمة التي تلاحق في الاساس افرادًا مسؤولين عن جرائم ولا تلاحق النظام السياسي للدولة.
الحقوقي صلاح عبد العاطي مدير اللجنة القانونية في الهيئة العليا لمسيرات العودة، أكدّ وجود التباس في عملية الاحالة، في ظل الحديث عن احالة لملف الاستيطان فقط، والاحالة هنا منقوصة بعدم ذكر أسماء المتهمين المطالبين بالملاحقة بموجب المادة 14 من ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية.
وذكر عبد العاطي للرسالة، أن هذا النقص من شأنه أن يشكل عامل بطء في التحقيقات، يضاف لمسيرة طويلة من التباطؤ سواء تلك التي تمثلت في عملية الانضمام للمحكمة بعد عامين من نشوئها عام 2012، حيث انضمت السلطة اليها عام2015، أو ما يتعلق بتقديم ملفات الاحالة التي شهدت بطئا شديدا منذ ثلاث سنوات.
عبد العاطي: السلطة أحالت ملف الاستيطان فقط بشكل منقوص
وكانت اللجنة الفلسطينية المشكلة لمتابعة انضمام فلسطين للمحكمة، قد أعلنت عن تجهيز ثلاثة ملفات وهي "الاستيطان والأسرى والحرب الأخيرة على غزة"؛ لإحالتها الى الجنائية الدولية.
النائب في المجلس التشريعي ومدير الدائرة القانونية فرج الغول، اعتبر تلكؤ السلطة الفلسطينية بإحالة ملفات جرائم الاحتلال للجنائية الدولية، "اشتراكا من السلطة للاحتلال في جرائمه ضد غزة".
وقال الغول لـ"الرسالة" إن حديث السلطة بإحالة الملفات للجنائية الدولية "غامض ويحتوي على نوع من التضليل"، مشيرا إلى أن السلطة لم تقدم أي احالات واضحة ضد الأشخاص المتهمين في هذه الجرائم، كما أنها لم تكشف طبيعة الملفات التي أحيلت.
وذكر أن "هناك المئات من القضايا المعدة وفق نموذج القانون الدولي، وتحتاج فقط لإحالة من السلطة الفلسطينية للنائب العام للمحكمة ولهذه اللحظة لم تفعل".
الغول: ملفات الإحالة ناقصة وغامضة وتلكؤ من السلطة بتقديم الملفات
وهنا يقول الخبير والمحقق القانوني في محكمة الجنايات عبد الرحمن علي إنّ الطريق لفتح تحقيق جنائي فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في فلسطين يمر بأحد ثلاثة مسالك تنص عليها المادة (13) من نظام روما، أولها أن يحيل مجلس الأمن القضية إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية مثل ما حدث في ليبيا والسودان، وهذا لن يحدث لأسباب معروفة تتعلق بالموقف الأمريكي.
ويوضح علي الحائز على شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة إيكس مارسيليا، في تصريح خاص بـ "الرسالة" من باريس، أنّ المسلك الثاني فهو أن تحيل فلسطين القضية بوصفها عضوا في المحكمة إلى المدعية العامة وتطلب منها رسميا فتح تحقيق، وهو ما لم يحدث إلى الآن، والمسلك الثالث أن تفتح المدعية العامة من تلقاء نفسها تحقيقاً كاملاً في قضية فلسطين.
حقوقي دولي: السلطة تواصل الخديعة بشأن إحالة الملفات للجنائية
ويقول علي: "إن فلسطين إلى الآن لم تحل الجرائم المرتكبة في فلسطين لسبب قانوني بسيط وواضح، وهو أنه حسب البند (45) من قواعد لائحة المحكمة (Regulation of the Court) التي تذكر أنه يخطر المدعي العام رئاسة المحكمة كتابياً بمجرد أن تحيل إليه دولة طرف حالة ما بمقتضى المادة (14).
كما يشترط البند (46) من قواعد لائحة المحكمة على "رئاسة المحكمة أن تحيل القضية المحالة إلى المدعي العام من دولة طرف فور إخطار المدعي العام لرئاسة المحكمة بذلك وفقاً للبند (45) إلى دائرة تمهيدية مكونة من قضاة المحكمة".
وهذا يعني أن فلسطين لو أحالت قضية إلى المحكمة الجنائية الدولية وإلى مدعيتها العامة، فإن على رئاسة المحكمة المكونة من قضاة المحكمة أن تنشئ فورا دائرة تمهيدية باسم حالة فلسطين، مكونة من ثلاثة قضاة، لكن هذا ما لم يحدث ببساطة لأن دولة فلسطين لم تحل أي قضية إلى المدعية العامة، وفقاً لعلي.
وأوضح أن إرسال السلطة لملفات جنائية إلى المحكمة لا يعني بالمطلق أن هذا طلب إحالة للتحقيق، مؤكدًا أن طلب التحقيق يتأتى من خلال نص مكتوب ترسله السلطة إلى المحكمة وتطالبها فيه بفتح باب التحقيق في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال.
وأمام المعطيات السابقة، فإن حديث السلطة عن تقدمها بطلب للمحكمة ببدء التحقيق الفعلي، هو أمر غير صحيح وفق ما يشير إليه الخبير والمختص في الجنايات الدولية.
وانضمت السلطة رسميا لميثاق روما في الأول من ابريل عام 2015، فيما أعلنت المحكمة الجنائية في ذلك العام عن فتح بحث أولي في جرائم حرب قد تكون (إسرائيل) ارتكبتها خلال عدوانها على غزة صيف 2014 الذي أدى إلى استشهاد 2200 فلسطيني وجرح أكثر من 11 ألفا آخرين.