كان واضحا في التصعيد العسكري الذي دار رحاه بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال (الإسرائيلي) التطور اللافت في الأداء العسكري للمقاومة، وتكتيك الرد على العدوان، والتعامل الجيد في الميدان، مما أكسبها الجولة، على حساب الاحتلال، وأفضى إلى الوصول لتهدئة تعود بالأوضاع إلى اتفاق 2014.
وتميزت المقاومة في اختيار وقت الرد على عدوان الاحتلال الذي قصف موقعي سرايا القدس وكتائب القسام أدى لاستشهاد أربعة مقاومين، حيث اختارت الساعة السابعة صباحا لبدء التنفيذ، باستهداف المواقع العسكرية والمستوطنات المحيطة بغزة بعشرات قذائف الهاون.
ولقذائف الهاون حكاية مع المقاومة، فهي التي تميزت في نهاية العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، حيث تمكنت المقاومة من خلالها إيلام الاحتلال وقواته العسكرية، بقصف متواصل بعشرات القذائف على طول الحدود، مما كان عاملا مساعدا في إنهاء العدوان، وهذه المرة بدأت المعركة من حيث انتهت سابقا.
وعلى مدار ساعات التصعيد، استمر إطلاق القذائف الصاروخية على مستوى قطاع غزة، وبتوقيتات متزامنة، رغم أنها من جهازين عسكريين هما السرايا والقسام، مما أربك منظومة القبة الحديدية وصافرات الإنذار التي لم تقف عن الدوي في مستوطنات غلاف غزة، حتى بدء سريان التهدئة، إذ أصرت المقاومة على أن تكون الضربة الأخيرة لها.
وعن تأثير القذائف الصاروخية ودقتها، اعترف الاحتلال بأنها أوقعت خسائر، فيما لم يصب أيا من مجموعات المقاومة بأذى، رغم كثافة القصف (الإسرائيلي) على عشرات الأهداف بغزة، واستمر القصف الصاروخي للمقاومة بذات الوتيرة طيلة ساعات التصعيد.
وفي المقابل، لم تعمل القبة الحديدية بالشكل المطلوب كما يروج الاحتلال بانها تستطيع إسقاط غالبية الصواريخ، إذ كشف تساحي دبوش من إذاعة جيش الاحتلال أنه خلال الساعات ال24 الماضية، أطلق المقاومة الفلسطينية حوالي 100 قذيفة صاروخية نحو مستوطنات غلاف غزة، تم اعتراض 40 منها فقط، فيما سقطت البقية في مناطق متفرقة من غلاف غزة.
وفي التعقيب على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي عدنان أبو عامر إنه يتأكد من جديد أن المواجهة بين المقاومة والاحتلال ليست بالضربة القاضية، بل بتسجيل النقاط، معركة سجال، حيث أشارت الموجة الحالية إلى مستوى متقدم من النضج السياسي الواضح للمقاتلين وقياداتهم العسكرية في توجيه دفة النار باتجاه الاحتلال، سواء من خلال اختيار نوع القذائف، مدياتها، أهدافها، وهذا النضج جاء عقب مواجهات ضارية، أوصلت العسكريين، أو هكذا نأمل، إلى قناعة مفادها أن الحروب ليست صواريخ فحسب، بل اعتبارات سياسية وجبهة داخلية وسواهما.
وأضاف أنها لعلها من المرات القليلة أن الفلسطينيين يفعلون ثم يقولون، ففي الوقت الذي دكت فيه قذائف الهاون المستوطنات الجنوبية من 7 صباحا حتى 7 مساء، خرج البيان العسكري ليقدم إجمالا بما حصل، مشيرا إلى أنه بدون مبالغة ولا تضخيم، خرجت المقاومة من هذه الجولة ويدها الأعلى، وسنقرأ بعد ساعات اعترافات وخيبات أمل إسرائيلية، لأن الفلسطينيين بدأوا الحملة، وهم من أنهوها، وهي فرصة لمراكمة أسباب تفوقنا هذه المرة، أين نقاط قوتنا فنضاعفها، وأين نقاط ضعف الاحتلال فنزيد في استنزافها!
ولم يختلف المختص في الشأن (الإسرائيلي) صالح النعامي مع سابقه حول أهمية التصعيد الأخير بين المقاومة و(الإسرائيلي، معتبرا أن ما حصل يمثل إنجازا مهما جدا للمقاومة؛ إذ أنه يدلل على أن رد المقاومة أسهم في تعديل قواعد الاشتباك بغزة بحيث تم نسف معادلة الردع التي فرضتها إسرائيل منذ انتهاء حرب 2014).
وقال النعامي إن المطلوب حاليا أن تركز المقاومة على الاستثمار السياسي لهذا الإنجاز، وهناك فرصة أن يتم إحداث تكامل بين انجازات الردود اليوم ومخرجات حراك العودة بحيث يفضي إلى اجبار الاحتلال وداعميه الأمريكيين وأدواته الإقليمية للتخلي عن استراتيجية خنق قطاع غزة.
وفي نهاية المطاف، يبدو واضحا ان المقاومة الفلسطينية استفادت من التجارب السابقة، وباتت كما قالت أكثر تطورا عما سبق، ولديها من القدرات ما يؤهلها لصد أي عدوان (إسرائيلي) على قطاع غزة.