بعدما كان الضجيج يسود مخيم "اليرموك" في سوريا قبل اشتداد ذروة الأحداث في شهر رمضان، حيث الأطفال الذين يلعبون بين أزقته الضيقة، وأصوات المآذن تصدح بالموشحات الدينية، عدا عن باعة الخروب والعرق سوس، تبدل الحال وفرغ المخيم من سكانه حتى غدا في الساعات الأخيرة جل ساكنيه هم 20 مسنا صمدوا في بيوتهم حتى اختفت اثارهم دون أن يعلم بحالهم أحد.
وبدلا من تبادل أطباق "الشاكرية بالأرز" بين سكان المخيم كما اعتادوا في رمضان، بات معظمهم اليوم يبحثون عن بعضهم ويتبادلون التهاني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويسترجعون ذكرياتهم بألم بسبب ما وصل إليه حالهم، فقد كانت القذائف والرصاص تحيطهم من كل حدب وصوب.
ومؤخرا، اشتدت الأزمة على مخيم اليرموك، بعد سيطرة النظام السوري عليه وسرقة ممتلكات الفلسطينيين من بيوتهم، حتى أصيب اصحابها بحالة من الإحباط والذهول، حيث كان عناصر النظام يفرزون المسروقات ويحملونها "على عينك يا تاجر" كما يصف سكان المخيم، ومن ثم تنقل في شاحنات كبيرة وتباع في الأسواق الدمشقية.
وانتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لفلسطينيي مخيم اليرموك وهم في حالة استياء خلال مشاهدتهم أثاث منازلهم وملابسهم وأغراضهم الشخصية تسرق أمام أعينهم دون أن يستطيعون فعل شيء.
العفش الذي كان يجدده أهالي مخيم اليرموك في المناسبات كاستقبال شهر رمضان أصبح يباع بثمن بخس في الأسواق الدمشقية، بينما أصحابه يتحسرون على خسارته بعدما كدوا كثيرا لجمع ثمنه.
رجل لم يتجاوز الاربعين من عمره، وقف يصور بيته بينما أحد عناصر النظام حاول منعه فما كان من الرجل إلا الرد عليه " خذ كل شيء بس دعني أصور منزلي".
وتهكم الكاتب والباحث خليل صمادي على ما يحدث من عمليات نهب في اليرموك قائلا: "دخل اللصوص الغرباء يسرقون ما حملته سياراتهم ومواتيرهم، ودخل أصحاب البيوت يسرقون مقاطع مؤلمة في جوالاتهم لذكريات طواها الإجرام"، مضيفاً بلهجة ساخرة: المخيم مملوء بالكتب والمكتبات لماذا لا يعفشون الكتب؟.
تواصلت "الرسالة" مع الاعلامي فايز أبو عيد أحد سكان مخيم اليرموك لكنه رحل برفقة عائلته إلى لبنان، وعند سؤاله عن أحوال المخيم صمت قليلا ثم أجاب " لم يعد أحد في المخيم جميعهم نزح إلى دمشق ولبنان أو هاجر إلى الدول الأوروبية".
ويحكي أبو عيد عن أحوال مخيم اليرموك أنه ومنذ بداية الأحداث في سوريا والحصار المفروض عليه والجوع الذي كان يعانيه بعض السكان إلا أنه كان يضج بالحركة لوجود المؤسسات الاغاثية فيه، لكن بعدما خرجت وجاءت "داعش" تغير كل شيء وذلك ما بين عامي 2013 وحتى الشهور الأولى من 2015.
وبحسب متابعة أبو عيد، فإن المخيم أصبح مدمر بنسبة 80 %، وأصبحت الحياة فيه شبه معدومة، عدا عن حالة الاحباط التي يعيشها السكان الذين رحلوا، بعدما رأوا عفش بيوتهم ينهب ويباع، وبيوتهم تدمر.
ويحكي "للرسالة" أن أهالي اليرموك أصبحوا يعيشون اليوم على الأطلال ويحاولون استعادة ذكرياتهم، فالعودة باتت مستحيلة رغم النداءات التي أطلقتها منظمة التحرير والأونروا لإعادة الإعمار لأن هناك حديث يجري عن مخطط تنظيمي يقوم به النظام السوري لمحو اثار المخيم.
ويعد اليرموك احدى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، أنشئ عام 1957، على مساحة تقدر بـ2.11 كم مربع فقط لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينيين، وهو أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا.